للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أحمد: لا ينعقد الأمر باليد بالمجلس ولنا ما روى عبد الرزاق (١) في (مصنفه) عن ابن مسعود أنه قال: "إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن تنقضي شيء فلا أمر لها" وما روى أيضًا عن جابر بن عبد الله أنه قال: "إذا خير الرجل امرأته فلم تختر في مجلسها ذلك فلا خيار لها" وما روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة (٢) عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما - قالا: "أيما رجل ملك امرأته أمرها بيدها وخيرها ثم افترقا (ق ٦٠٣) من ذلك المجلس فليس لها خيار وأمرها بيد زوجها".

قال البيهقي: وقد تعلق بعض من يجعل لها الخيار، ولو قامت من المجلس بحديث تخير عائشة رضي الله عنها: وهو في (الصحيحين) "إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك لا تعجلين فيه حتى تستشرين فيه أبويك"، وهذا يعني الاستدلال به غير ظاهر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخيرها بإيقاع الطلاق بنفسها وإنما خيرها على أنها إن اختارت نفسها أحدث عليها الطلاق لقوله تعالى في سورة الأحزاب: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٢٨] انتهى.

لكن إن قال: كلما شئت فإنه يتقيد بمجلس علمها، وأما إذا فوض طلاقها إلى غيرها لا يتقيد بالمجلس اتفاقًا؛ لأن ذلك توكيل بالطلاق وأمر بإيقاعه والتوكيل، والأمر لا يقتضيان القول كأمر الشارع وكباقي الوكالاة فقال له: ما حملك أي: أي شيء أقدمك على ذلك؟ أي: على ما فعلته من التفويض والتخيير حتى أوقعت في يدها التخيير فقال: القدر، أي: تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة كذا فسرها محمد الجرجاني، فيه إثبات مذهب أهل السنة والجماعة ورد مذهب المعتزلة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" رواه الإِمام أحمد في مسنده (٣).

قال أبو حنيفة في (الفقه الأكبر): وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله خالقها، إن أفعال العباد من الإِيمان والكفر والطاعة والمعصية كلها بمشيئة الله وعلمه وقضائه وقدره انتهى.


(١) في المصنف (٦/ ٥٢٤).
(٢) في المصنف (٤/ ٨٩).
(٣) أحمد (٢/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>