للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَقْل؛ لأن الدية لفظ، ولا تُشِيط الدَّمَ، أي: من نشاط دمه إذا بطل، وهو من باب ضرب وأشاطه السلطان أبطله، وهدره، ومنه قول بعض الشافعية: ويشاط الدم بالقسامة، كما في (المغرب)، وفي بعض النسخ الأصل: ولا تهدر بل ولا تشيط، والمعنى: لا تبطله بالكلية، فلا بد من الدية في القصة، في أحاديث كثيرة، أي: في ضمنها ومع جملتها.

فبهذا نأخذ، أي: فإنما نعمل بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، ثم عندنا يبدأ بالمدعى عليهم في الأيمان، وهو قول عمر والشعبي والنخعي والثوري، وقال مالك والشافعي وأحمد: يُبدأ بالمدعين في الأيمان فإن حلفوا استحقوا دم المقتول وإن نكلوا حلف المدعي عليهم خمسين يمينًا وإن حلفوا برؤوا، وهو مذهب يحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد، والليث بن سعد، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأولياء عبد الله قوله فيما رواه البيهقي (١): أفتريكم يهود بخمسين رجلًا ولنا ما في الكتب الستة من حديث ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليمين على المدعين عليه"، وما رواه ابن أبي شيبة من قضاء عمر في القتيل الذي وجد في اليمين بين وادعة وأوجب، فكتب عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن قِسْ بين الحيين قال: أيهما كان أقرب فخذهم به فقاسوه فوجدوه أقرب إلى وداعة فأخذنا وأغرمنا وأحلفنا، فقلنا: يا أمير المؤمنين، أتحلفنا وتغرمنا؟ قال: نعم، فاحلف خمسين رجلًا بالله، ما قتلت ولا علمت قاتلًا.

وقد روى أبو داود والطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في (مسانيدهم)، والبيهقي في سننه (٢) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن قتيلًا وجد بين حيين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقاس إلى أيهما أقرب، فوجد أقرب إلى الحيين أي قبيلتين، (ق ٧١٣) بشير، قال أبو سعيد الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى ديته عليهم بعد يمين خمسين رجلًا منهم فإن لم يكن في المحلة خمسون من أهل القسامة كتب الحلف عليهم إلا أن يتم لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد عليهم الإِيمان حتى وفوا، وروي أيضًا عن شريح قال: جاءت القسامة فلم يوفوا خمسين فردوا


(١) البيهقي في الكبرى (٨/ ١١٨).
(٢) أخرجه البيهقي في الكبرى (٨/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>