للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهر عليه من الحال الذي حال الجنون، وذلك أنه دخل منتثر الشعر ليس عليه رداء يقول: زنيت فطهرني، كما في مسلم عن جابر بن سمرة، واسم المرأة التي زنا بها فاطمة بنت قتادة، أي: جارية هزال بن يزيد الصحابي، من بني أسلم، كذا رواه النسائي، وقيل: منيرة، وفي (طبقات ابن سعد) اسمها مبيرة، وفي مسلم عن بريدة: جاء ماعز فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال: "ويحك ارجع واستغفر الله وتب إليه"، فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، قال مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال - صلى الله عليه وسلم -: "فبم أطهرك؟ " قال: من الزنا، فسأل: "أبه جنون؟ " فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: "أشرب خمرًا؟ "، فقام رجل (ق ٧٣٦) فاستشم فاه فلم يجد منه ريح خمر، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أزنيت؟ " قال: نعم، فأمر أي: - صلى الله عليه وسلم - به فَحُدّ، أي: فرجم، كما في (الموطأ) لمالك برواية يحيى، زاد في حديث جابر بالمصلى، أي: فرجم بالمصلى، فلما أزلفته الحجارة فر فأدركه فرجم حتى مات، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو سترت ولم تخبرني، لكان خيرًا لك"، أي: في أمرك، وفي مسلم عن بريدة فكان الناس فيه فريقين، قائل يقول: هلك لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، من أنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده في يده، قال: اقتلني بالحجارة، فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء - صلى الله عليه وسلم - وهم جلوس فسلم ثم جلس، فقال: "استغفروا لماعز بن مالك"، فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، فقال: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم".

وفي النسائي (١) عن أبي هريرة مرفوعًا: "لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس يتنعم"، ولأحمد عن أبي ذر رفعه: "قد غفر الله له وأدخله الجنة"، وفي هذا منقبة عظيمة لماعز رضي الله عنه، كحديث الباب؛ لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه مع توبة، ليتم تطهيره، ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أنه لا يستمر على الإِقرار بما يقتضي موته فجاهد بنفسه على ذلك، وقوى عليها، والصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت"، قال: لا يا رسول الله، قال: "أنكتها؟ "، لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.

قال ابن شهاب: فمن أجل ذلك أي: لأجل شهادة الرجل أربع مرات على نفسه


(١) في الكبرى (٤/ ٢٨٨)، رقم (٧٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>