للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحلوف عليه معصية، ثم الفاء جزائية لا تعقيبية، كما توهم بعضهم، والواو للجمعية، فلا يصلح أن يكون حجة لمالك وأحمد في أن الكفارة تجزئ بلا حنث.

وقال الشافعي: إن كانت بالمال مجوزة، وإن كان بالصوم لا يجوزه ووجه مجزوم، فالحديث نحو قوله تعالى في سورة المائدة: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦]، حيث لا دلالة فيها على الترتيب، وعندنا: لم يجزئ الكفارة بل حنث؛ لأن الكفارة لستر الجناية ولا جناية قبل الحنث، كما لا يصح كفارة القتل قبل الجرح، نعم أبو داود والنسائي بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير"، لكن قد تجيء كلمة "ثم" بمعنى الواو، كما بينه في شرح (مغني اللبيب) أو يؤل هذا محمول على المبالغة أو التقدير، فلينو التكفير فلا بد من تأويل وإلا فيقتضي وجوب تقديم (ق ٧٨٧) الكفارة على الحنث، ولا قائل به مع أن الحديث الأول معارض برواية مسلم له أيضًا بلفظ: "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" والحديث الثاني معارض بما أخرجه الإِمام أبو محمد القاسم بن حرب السرقسطي في (كتاب الغريب) عن حازم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين فرأي غيرها خيرًا منها فليأته ثم ليكفر عن يمينه" كذا قاله علي القاري.

* * *

٧٥٢ - أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، قال: سمعتُ القاسم بن محمد يقول: أتت امرأة إلى ابن عباس، فقالت: إني نذرتُ أن أنحر ابني، فقال: لا تنحري ابنك وكفِّري عن يمينك، فقال شيخ عند ابن عباس جالس: كيف يكون في هذا كفارة؟ قال ابن عباس: إن الله عز وجل قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} ثم جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت.


(٧٥٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٤٥٩)، والطبراني في الكبير (١١٤٤٣) (١١٩٩٥)، وفي الأوسط، وذكره الهيثمي في المجمع (٤/ ١٩٠)، وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وقال: ورجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>