للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقتصر عليه، والواو في الوضوء عاطفة، وهمزة الاستفهام الإِنكاري مقدرة بقرينة ما سبق، أي: ألم يكفك أن يفوتك فضل المبادرة إلى الجمعة، حتى أضفت إليه ترك الغسل، واخترت الوضوء والمناسب للمقام أن يكون التقدير ترجع ولا تقتصر بصيغة الخطاب ليلائم قول الخطاب. وقد أي: والحال أنك علمتَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمُرُ بالغُسْل، أي: أمرًا مؤكدًا يوم الجمعة لصلاتها أو مطلقًا.

قال محمد: الغسل أفضل يومَ الجُمُعَةِ، وليس بواجبٍ، وفي هذا، أي: والحال ثبت في حق فضيلة الغسل يوم الجمعة، آثارٌ، أي: أحاديث كثيرة، كذا في جميع الروايات، ولم يذكر المصنف الأمور إلا في رواية جويرية بنت أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عند الطحاوي وغيره: أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: أما علمت أنا كنا نؤمر؟ وللطحاوي عن ابن عباس، أن ابن عمر قال: لقد علمت أنا أُمِرْنَا بالغسل، قلت: أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا؟ قال: لا أدري، رواته ثقات إلا أنه معلول.

وفي رواية أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن عمر قال: ألم تسمعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل" (١)، وهذا ظاهر في عدم تخصيص الغسل بالمهاجرين الأولين، ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان بن عفان، رضي الله عنه، عن ذلك، والظاهر: أنه سكت اكتفاءً بالاعتذار الأول؛ لأنه قد أشار إلى أنه كان زاهلًا عن الوقت، وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه يعارض عنده إدراك سماع الخطبة، والاشتغال بالاغتسال، وكل منهما مرغب فيه، فآثر سماع الخطبة، ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره.

قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة على المنبر، وتفقد الإِمام رعيته، وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على أهل الفضل، وإن كان عظيم المحل، ومواجهته (ق ٦٧) بالإِنكار ليرتدع من دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء الخطبة لا يفسدها، وسقوط الإِنصات عن المخاطب بذلك، والاعتذار إلى ولاة الأمور، وإباحة الغسل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلن ترك فضيلة البكور إلى الجمعة؛ لأن عمر لم يأمر برفع السوق لأجل هذه القضية.


(١) انظر: شرح الزرقاني (١/ ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>