للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود بالسكينة السكون والوقار، وإذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإِقامة، مع خوف فوت بعضها، فقيل: الإِقامة الأولى، ثم أكده بقوله فيما أي: في فعل الذي، فالفاء جواب شرط محذوف، وما يحدث عن العمل بقرينة لفظ تَسْعَوْنَ نحو: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]، تقديره: إذا فعلتم ما أمِرتم به من السكينة، فما أدركتم به من الصلاة مع الإِمام فملُّوا إياها معه، وما، أي: الفعل الذي فاتكم منها معه: فأتِمُّوا، أي: أكملوا بعد سلام الإِمام، وفي نسخة: فاقضوا؛ لأن القضاء، وإن كان يطلق على الغائب - غالبًا - لكنه يطلق على الأداء أيضًا، ويرد بمعنى الفراغ، كقوله تعالى في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: ١٠].

وعنه يكون قاضيًا فيهما، وبه قال أبو حنيفة، وفي هذا تنبيه لدفع توهم أن النهي؛ إنما هي لمن لم يخف فوات الصلاة، وطرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات، وبين ما يفعل فيما فات بقوله: فما. . . إلخ.

قال ابن عبد البر (١): الواجب؛ أي: المطلوب إتيان الصلاة بالسكينة، ولو خاف فواتها، لأمره - صلى الله عليه وسلم - وهو الحجة، خلافًا من جوز السعي لخوف الفوات، وقد أكَّد ذلك بيان العلة بقوله: فإنَّ أحَدَكم في صلاة أي: حكمًا، ما كان أي: مدة كونه يَعْمِدُ بكسر الميم، أي: يقصد إلى الصلاة؛ فإن الأعمال بالنيات، ونية المؤمن خيرٌ من عمله.

قال محمد: لا تعجَلَنَّ أي: يا مخاطب، البتة البتة بركُوع ولا افتتاح، أي: بنية مع (ق ٩٨) تكبير حتى تصِلَ إلى الصَّفِّ، أي: يسعك وتقومَ فيه مطمئنًا، وهو قولُ أبي حنيفة - رحمه الله. وقد ورد: "إذا سمعتَ النداء فأجب، وعليك السكينة، فإن أصبتَ فُرجة، وإلا فلا تضيق على أخيك، واقرأ ما تسمع أذنك، ولا تؤذي جارك، وصل صلاة مودع" (٢) رواه أبو نصر السجزي في (أماليه) وابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

* * *


(١) انظر: التمهيد (٦/ ٤١٥).
(٢) أخرجه: أبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٠٧)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٢١/ ١٧١)، وحسنه السخاوي في المقاصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>