مثلُ نصف صلاتهِ أي: في الأجر، وهو قائم، جملة حالية أخرى، وفي قوله:"أحدكم" إشارة إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس كسائر الأنام في هذا المقام فإنه إما أن يصلي معذورًا أو مجوزًا مشكورًا فيكون أجره في الصورتين موقورًا، والحديث رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر.
والطبراني عن ابن عمر، وعن عبد الله بن السائب، وعن المطلب بن أبي وداعة بلفظ:"صلاة القاعد نصف صلاة القائم". كذا قاله علي القاري.
قال ابن عبد البر: قوله: "صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم" لما في القيام من المشقة أو لما يشاء أن يتفضل به.
وقد سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الصلاة، فقال:"طول القنوت"، والمراد صلاة النافلة؛ لان الغرض أن: من أطال القيام فصلى قاعدًا فصلاته باطلة عند الجميع يلزم عليه إعادتها، فكيف تكون نصف فضل صلاة، بل هو عاصٍ، وإن عجز عنه ففرض الجلوس اتفاقًا؛ لأن الله تعالى يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٢].
فليس القيام أفضل منه؛ لأن كلًا أدى فرضه على وجهه.
فإن قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل نصف صلاته"، ولم يقل: نحو نصف صلاته؟
أجيب: إشعارًا بأن صلاة النافلة قعودًا ناقصة صورة، ومعنى من الصلاة قيامًا كما قاله الأصوليون.
لفظ المثل يستعمل فيما إذا كان المذكور مساويًا لما سبقه من اللفظ والمعنى، ولفظ النحو يستعمل فيما إذا كان المذكور مساويًا لما سبقه في المعنى فقط.
هذا خلاصة ما نقله علي القاري عن المبرك شاه في باب خُلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من (شرح الشمائل) للترمذي.
قال أبو عبد الله الباجي، اسمه سعيد بن زيد - من علماء المالكية - يريد - صلى الله عليه وسلم - بنصف صلاة القائم، أجر الصلاة؛ لان الصلاة لا تتبعض، وهذا وإن كان عامًا لكن المراد بعض الصلوات؛ لأن القيام ركن باتفاق فهو فيمن صلى الفريضة غير مستطيع للقيام أو نافلة مطلقًا.