اللات، وباسم العزى، فإنهما اسمان للصنمين اللذين نصب كفار مكة أحدهما على الصفا والآخرى على المروة يعبدونهما، وأمَّا إذا كان المتعلق متأخرًا وكان اسمًا، فيكون محل الجار والمجرور مرفوعًا على أن يكون خبرًا مجازًا أو متقدمًا على المبتدأ والخبر حقيقة لفظ كائن أو حاصل مثلًا.
(ق ٦) فيفيد هذا التقديم أيضًا حصر الخبر على المبتدأ، فيكون هذا الحصر اهتمامًا بذكر اسم الله تعالى تقديره: بسم الله كائن ابتدائي لكن تقديم بسم الله على متعلقه أولى؛ لأنه علم مختص لذات واجب الوجود على مذهب أهل الحقائق، وذات واجب الوجود مقدم بنفسه على ذوات الممكنات فيلزم أن يكون اسمه تعالى مقدمًا في الذكر على جميع المذكورات، فالباء في بسم الله يدور بين معنى الملابسة والاستعانة، لكن الاستعانة في هذا المقام لا ينبغي؛ لأنه قال عصام الدين في حاشيته في تفسير {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق: ١]، أن معنى الاستعانة: إيهام تشبيه اسمه تعالى بآلة النجار، وفي هذا التشبيه ترك التعظيم الذي يستحق به تعالى، انتهى.
والأولى أن يكون الباء للملابسة والإِلصاق، ووجه الأولوية إشعار بالمعنى الذي رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"جميع ما أنزله الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام من الكتب كلها في القرآن، وجميع معاني القرآن في سورة الفاتحة، وجميع معاني الفاتحة في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وجميع معاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الباء من بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".
فالقصد إليه من كل العلوم وصول العبد إلى معبوده، وهذه الباء للإِلصاق فهو يلصق العبد إليه، فهو كمال المقصود، فلذلك اختار الله تعالى الباء على سائر الحروف في افتتاح كتابه.
قوله: الله في بسم الله مجرور لفظًا على أنه دفع مضافًا إليه لاسم يشبه أن يكون الإِضافة من قبيل سعيد كرز.
وقوله: الرحمن الرحيم مجروران على أنهما صفتان للفظة "الله"، ويجوز أن يكونا منصوبين على المدح، فالتقدير: أمدح الرحمن الرحيم، ويجوز أن يكونا