للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرفوعين لفظًا على أنهما وقعا خبرًا لمبتدأ محذوف، فالتقدير: هو الرحمن هو الرحيم، فالفعل مع فاعله ومفعوله، أو المبتدأ مع خبره جملة فعلية أو إسمية لا محل لها من الإِعراب لأنها مستأنفة، أو مجرورين على أنهما بدلان من الله كررهما لتأكيد رحمته على خلقه، وبيان سبقهما على غضبه، فإن قيل: ما بال المصنف - رحمه الله - أنه ابتدأ كتابه بقوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقتصرًا عليه؟ فأكثر المتقدمين دون الحمد والشهادة مع أن ورود قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمرٍ ذي بالٍ لم يُبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء" (٢)، أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال العسقلاني (٣): إن الحديثين في كلٍّ منهما مقال سلمنا صلاحيتهما للحجة، لكن ليس فيهما أن ذلك متعين بالنطق والكتابة معًا، فلعله، أي: نرجو أن المصنف - رحمه الله - حمد وتشهد نطقًا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارًا على البسملة واتباعًا بكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كتب إلى الملوك وكتب في القضايا مفتتحًا بالبسملة دون الحمد له، وغيرها كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وفي حديث البراء بن عازب في قصة سُهيل بن عمرو في صلح الحديبية، وغير ذلك من الأحاديث.

وهذا يُشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليهما في الخطب دون الرسائل (ق ٧) والوثائق، فكأن المصنف لمَّا لم يفتتح كتابه بخطبة أجرى كتابه مجرى الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلُّمًا وتعليمًا، وكذلك أئمة الحديث كعبد الرزاق، والزهري، والإِمام مالك، وغيرهم ممن لم يقدموا في ابتداء تصنيفهم


(١) تقدم.
(٢) أخرجه: أبو داود (٤٨٤١)، والترمذي (١١٠٦)، وأحمد (٧٩٥٨) (٨٣١٣)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
(٣) انظر: فتح الباري (١/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>