للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال قائل: يا نبي الله، انقطع الناس، وراءك فحبس وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه، فقال: "هل لكم أن تهجعوا هجعة! " فنزل، فنزلوا، والهجوع: النوم ليلًا، كذا في (القاموس) حتى إذا كان من آخر الليل. وللطبراني عن ابن عمر: حتى إذا كان مع السحر، وكان الناس بين النوم واليقظة، عَرّس، بفتح العين المهملة وفتح الراء المشددة، من التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، وقال أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال، أي: ابن رباح، المؤذن، هو ابن حمامة، وهي أمه مولى أبي بكر الصديق، من السابقين الأولين، وشهد بدرًا والمشاهد، مات بالشام، سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، وقيل: سنة عشرين، وله بضع وستون سنة: اكلأْ بكسر الهمزة، والكاف الساكنة، وفتح اللام، وسكون الهمزة، أي: احفظ وراقب لنا الصبحَ، أي: وقته، بحيث إِذا طلع الفجر توقظنا ولا ترقد، ومنه قوله تعالى في سورة الأنبياء: (ق ١٩٠) {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنبياء: ٤٢]، أي: يحفظ، والمصدر كلاءة بالفتح والمد.

فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، أي: أكثرهم ممن معه، فكلأ أي: راقب بلال

وفي مسلم: فصلى بلال ما قُدِّرَ له، بالبناء للمفعول من التقدير، أي: ما قدره الله له من الأوقات، وكتبه في اللوح المحفوظ، بمقدار قدره في الأزل، وأظهره في عالم الكون، ثم استند أي: بلال إلى راحلته أي: لإِدراك بعض راحلته، وهو أي: والحال أن بلال مقابل بصيغة اسم الفاعل، أى: متوجه إلى جانب مطلع الفجر، فغلبتْه عيناه، أي: فنام وغفل عما ابتلاه الله تعالى، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: لم ينتبه هو ولا بلال ولا أحد من الركب أي: من جماعة الصحب، وفي مسلم: ولا أحد من أصحابه، حتى ضربتهم الشمس، أي: طلعت عليهم وأدركوا حره لديهم، وهذا لا ينافي خبر "إن عيني تنام ولا ينام قلبي"؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحديث والألم، ولم يدرك نحو طلوع الشمس، مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة، وإن كان القلب يقظان، كذا قاله النووي.

وقال الحافظ ابن حجر (١): لا يقال القلب، وإن كان لا يدرك المرئيات، يدرك إذا كان يقظان مرور الوقت الطويل؛ لأنا نقول: قلبه - صلى الله عليه وسلم - كان إذ ذاك مستغرقًا بالوحي،


(١) انظر: الفتح (١٣/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>