للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يلزم فيه وصفه بالنوم، كما كان يستغرق حاله اتقاء الوحي، ويكون الحكمة في ذلك بيان الشيء بالفعل؛ فإنه أوقع في النفس كما في قصة السهو في اليقظة.

وقال ابن المنذر: إن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة؛ لمصلحة الشرع، ففي النوم أولى، ذكره السيوطي (١)، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بكسر الزاي، انتبه وقام كأنه من الفزع الذي بمعنى الخوف؛ فإن المنتبه، لا يخلو من فزع ذلك؛ للتأسف على ما فاتهم من وقت الصلاة، وفيه أنه لم يكن ذلك من عادته منذ بعث، ذكره السيوطي. فقال: أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال، ما هذا؟ " أي: كيف هذا الحال؟ ونومك بهذا المنوال؟ فقال بلال: لضيق الحال: يا رسول الله أخذ بنفسي أي: غلبها الذي أخذ بنفسك، أي: والله غالب على أمره، وعامل وفق قضائه وقدره، والمعنى: استولى بقدرته عليَّ، كما استولى عليك، مع علو منزلتك، أو المراد أن النوم غلبني كما غلبك.

وقال ابن عبد البر: قبض نفسي الذي قبض بنفسك؛ فالباء زائدة، أي: توفاها متوفي نفسك على النفس، والروح واحدة، ويؤيده خبر أن الله قبض أرواحنا، ومنه قوله تعالى في سورة الزمر: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢]، كما قاله علي القاري.

أقول وبالله التوفيق: المراد بها هنا جوهر نورانية يتعلق جميع بدن الحيوان ظاهره وباطنه، فيحس به المحسوسات، وإذا انقطع تعلقه عن ظاهر البدن نام فلا يحسها، وإذا انقطع عنه وباطنه جميعًا مات، كما قال السيد الشريف الجرجاني: هو الجوهر: النجاري، اللطيف، الحامل لقوة الحياة والحس، والحركة الإِرادية، وسماها الحكيم: الروح الحيوانية، فهي جوهر مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوءه عن (ق ١٩١) ظاهر البدن وباطنه، فيثبت أن النوم والموت من جنس واحد؛ لأن الموت هو الانقطاع الكلي، والنوم هو الانقطاع الناقص، فثبت أن لقاء والحكيم دبر تعلو جوهر النفس بالندب على ثلاثة أضرب: الأول: بلغ ضوء النفس على جميع أجزاء البدن وظاهره وباطنه، فهو اليقظة، وانقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو النوم، أو بالكلية فهو الموت، انتهى.


(١) انظر: تنوير الحوالك (١/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>