للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "وخز أعدائكم من الجن"، والوخز: هو الطعن في غير نافذ، وفي رواية أحمد في مسنده عن أبي موسى الأشعري: "وخز إخوانكم من الجن"، ففي كل من الطعن والطاعون شهادة، فإن استشكل في الحديثين منافاة، أجيب إن صحت الروايتان، احتمل - والله أعلم بالصواب - في الجمع بينهما أن رواية: "أعدائكم" طعن الكافرين من الجن للمسلمين من الإِنس، ورواية: "إخوانكم" طعن المسلمين من الجن للكافرين من الإِنس.

فإن قيل: ما الحكمة في تسليط الله الجن على الإِنس بالطاعون؟

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بن الحنبلي في حق كون الطاعون وخز أعدائنا الجن: حكمة بالغة فإن أعداءنا من الجن شياطينهم، وأما أهل الطاعة منهم فهم إخواننا، والله تعالى أمرنا بعداوة أعدائنا من الجن والإِنس، وطلب لمرضاته تعالى، فأبى أكثر الناس عن العداوة بهم إلا مساكين الناس وفقرائهم، فسلط الله الجن على الناس بالطاعون عقوبة وعذابًا لهم حيث أطاعوا أعدائنا من الجن والإِنس حين توسوسوا أمورهم بالمعاصي والفساد في الأرض، فأطاع أكثر الناس بأعدائنا من الجن والإِنس، فاقتضت الحكمة الإِلهية أن سلطهم الله عليهم بالطعن فيهم، كما سلط الله على الإِنسان أعدائهم من الإِنس، حين أفسدوا في الأرض، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وتسليط الله أعداء الناس عليهم محاربة ومقاتلة الطاعون من الجن، وكل من الإِنس والجن بتسليطهما على الإِنس بالطعن والطاعون، بتسليط العزيز الحكيم عقوبة لمن يستحق العقوبة وشهادة ورحمة لمن هو أهل لها، وهذه المقابلة سنة الله تعالى وعاداته القديمة في عقوبات التي تقع عامة فتكون طهر للمؤمنين، (ق ٣١٢) وانتقامًا من المجرمين والعاصين لله تعالى.

والثاني من السبع من الشهداء الحكمي، والغريق شهيد، وقد أخرج ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه: "وُكِّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر، فإن الله تعالى يتولى قبض أرواحهم لكرامتهم عليه، حيث ركبوا البحر في سبيله"، كذا نقله علي القاري عن السيوطي، والغريق هو الذي مات مغروقًا في الماء، وقال ابن الملك ومعناه: أنهم يشاركون الشهداء في نوع من أنواع المثوبات التي يستحق بها الشهداء، لا المساواة في جميع أنواعها، قال المظهر: من ركب البحر، وأصابه دوران الرأس، فله أجر شهيد إن ركبه للطاعة، كالغزو والحج وتحصيل العلم، أو للتجارة إن لم يكن له طريق سواه ولم يتحر لطلب زيادة المال بل للقوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>