للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للصفوف على الجنازة تأثيرًا، ولو كثر الجمع؛ لأن الظاهر أنه خرج معه - صلى الله عليه وسلم - عدد كثير، والمصلى أيضًا لا يضيق بهم لو صفوا فيه صفًا واحدًا، ومع ذلك صفهم، وهذا ما فهمه مالك بن هبيرة الصحابي، فكان يصف من يحضر صلاة الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا، كذا قاله الزرقاني، وقال الحافظ ابن حجر: وبقي فيه إشكال، وهو إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحدًا والعدد كثيرًا أيهما أفضل؟ يقول الفقير: العدد الكثير أفضل ثوابًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الشفاعة عن العدد الكثير لا عن تعدد الصفوف، حيث قال آنفًا: "لا يموت أحد من المسلمين، فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة، فيشفعون له إلا شُفِّعُوا"، ومع هذا إن صف الملائكة كان صفين، وفي كل صف سبعون ألف ملك، ولو كان كثير عدد الصفوف خيرًا لكان صف الملائكة عددًا كثيرًا، وفيه إشعارٌ بأن الملائكة يحضرون صلاة الجنازة، كما يحضرها بنو آدم، وكَبَّر عليه أي: على النجاشي، أربع تكبيرات، أي: مقرونته بثناء وصلاة ودعوات، وفي الاقتصار على ذكر التكبيرات دلالة على أنها أركان والباقي سنن مكملات.

وفي (الاستذكار) عن أبي حنيفة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر على الجنازة أربعًا وخمسًا وسبعًا وثمانية، حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه - صلى الله عليه وسلم - فكبر أربعًا، ثم ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أربع حتى توفاه الله عز وجل، كذا قاله علي القاري، ففيه أن تكبيرات صلاة الجنازة أربعة، وهو المقصود من الحديث، واعترض بأن هذه صلاة على غائب لا على جنازة، فقال الفقهاء: شرائط صحة الصلاة على الجنازة ستة: أولها: إسلام الميت، وثانيها: طهارته، وثالثها: تقدمه على قدام الإِمام، ورابعها: حضوره أو حضور أكثر بدنه، أو نصفه مع رأسه، وخامسها: كون المصلي على الجنازة غير راكب بلا عذر، وسادسها: كون الميت على الأرض، فلا تصح الصلاة على غائب أجيب عنه بأن الصلاة على الميت الغائب جائزة عند الشافعي وأحمد وأكثر السلف، وقال الحنفية والمالكية: ذلك خصوصية له - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن عبد البر: ودلائل الخصوصية واضحة، لا يجوز أن يشركه فيها غيره؛ لأنه - والله أعلم - أحضر روحه بين يديه، أو رُفِعت له جنازته حتى شاهدها، كما رُفع له - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته، وعبر غيره عن ذلك بأنه كُشِف له عنه حتى رآه، فتكون كصلاة الإِمام على ميت رآه، ولم يره المأموم، ولا خلاف في جوازها، وأجيب أيضًا بأن ذلك خاص بالنجاشي لإِشاعة له أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>