الدال، وفي رواية: لبدانتها أي: لسمنيتها، ولعبد بن حميد عن مجاهد: إنما سميت البدن من قبل السمانة فقال له: "اركبها"، لضرورتك ففي رواية: أنه رأى رجلًا يسوق (ق ٤٤٧) بدنة وقد أجهد فقال: اركبها فقال: أي: الرجل إنها بدنة، أي: هدي فقال - صلى الله عليه وسلم - له بعد مرتين أي بعد اعتزاره إنها بدنة "اركبها ويلك" أي: ويحك كما في طريق ابن عجلان عن أبي هريرة قال: "اركبها ويحك"، وهو بفتح الواو وسكون التحتية والحاء المهملة كلمة رحمة تستعمل في مقام الترحم كذا قاله محمد الواني، وزاد البخاري من رواية عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: فلقد رأيته ساير النبي - صلى الله عليه وسلم - والنعل في عنقها، وهذه الطرق دالة على أنه أطلق البدنة على الواحدة من الإِبل المهداة إلى البيت إذ لو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحسن الجواب بأنها بدنة؛ لأن كونها من الإِبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي عليه كونها هديًا فقال: إنها بدنة، والحق أن ذلك لم يخف على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها كانت مقلدة؛ ولذا قال لما زاد في مراجعته: ويلك تأديبًا لمراجعته مع عدم خفاء الحال عليه وبه جزم ابن عبد البر وابن العربي وبالغ فقال: الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا ولولا أنه - صلى الله عليه وسلم - اشترط ربه ما اشترط لهلك الرجل لا محالة قال القرطبي: ويحتمل أنه فهم منه ترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها، فزجره عن ذلك على الحالتين فهي دعاء ورجحه عياض وغيره.
قالوا: الأمر هنا وإن قلنا: إنه للإِرشاد لكنه استحق الذم لتوقفه عن امتثال الأمر والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادًا، ويحتمل أنه ظن يلزم عزم بركوبها وآثم، وإن الإِذن بركوبها إنما هو للشفقة عليه، فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال، وقيل: لأنه أشرف على هلكه من الجهد وويل يقال لمن وقع في هلكه، فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب فولي هذا إخبار، وقيل: هي كلمة تزعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها كقولهم: لا أم لك، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ويحك بدل ويلك، فإنه يقال: ويلك لمن وقع في هلكة يستحقها، وويح لمن وقع في هلكة: لا يستحقها.
وفي الحديث تكرير الفتوى والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر، وزجر من لم يبادر وتوبيخه، وجواز مسايرة الكبار في السفر، وإن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها. كذا قاله الزرقاني (١).