للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخرمة لابن عباس: لا أماريك أبدًا أي: لا أجادلك، وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلف فيه وقبول خبر الواحد، وأنه كان مشهورًا عند الصحابة؛ لأن ابن عباس أرسل عبد الله بن حنين يسأل أبا أيوب، ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبول خبر عبد الله بن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص.

قال ابن عبد البر: وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل، وإن حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" محله في النقل عنه - صلى الله عليه وسلم - كما قال أهل النظر كالمزني؛ لأن كلًا منهم ثقة مأمون عدل لا في الاجتهاد والرأى وإلا لقال ابن عباس للمسور بن مخرمة: أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى، ولم يحتج إلى طلب البرهان في السنة على صحة قوله، ولذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفي الاستعانة بالطهارة لقوله: اصبب قال القاضي عياض: والأولى تركها إلا لحاجة.

وقال ابن دقيق العيد: ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم كذا قاله الزرقاني (١).

قال محمد: وبقول أبي أيوب أي: الموافق لرأي ابن عباس نأخذ، أي: نعمل؛ لأن علمين خير من علم واحد ولأن المثبت مقدم على النافي؛ ولأن الأصل الجواز (ق ٤٥٥) حتى ثبت دليل قوي على منعه لا نرى أي: لا نعلم بأسًا أي: جناية بأن يغسل المحرم رأسه بالماءِ أي: سواء غسل سائر بدنه أم لا، نعم الأولى أن لا يغسل رأسه لئلا تموت هوامه ولا يرفع شعثه وغباره لما سبق، وأما قوله: وهل يزيده الماء إلا شَعَثًا! ففيه نظر، فإن الشعث محركة انتشار الشعر وتغيره وتفرقه كما ينتشر رأس السواك، ولا شك أن الماء يحصل له الاجتماع والالتئام والله أعلم بحقيقة المرام، وهو أي جواز غسل المحرم رأسه واغتساله وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا لما تقدم من الحديث وهو في الصحيحين، وفي البخاري قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدخل المحرم الحمام، وفي مسند الشافعي وفي


(١) انظر: السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>