للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هذه الحلقة هي التي حطمها الفرنسيون منذ الاحتلال وجردوا التعليم القرآني من كل حيوية، ومنعوا المؤدبين من تفسير الآيات وتفهيم التلاميذ محتوياتها، كما قطعوا الصلة بينهم وبين التعليم المسجدي وتعليم الزوايا الذي هو الحلقة الوسطى إلى الثانوي والعالي. فلا غرابة إذن أن يقول لوروي بوليو L.Beaulieu سنة ١٨٨٦ أن معلمي المدارس القرآنية جهلة تقريبا، وهم لا يعرفون إلا القراءة والكتابة، وهم في العادة من خريجي الزوايا. ثم أنهم يسمون (الطلبة)، ولهم رخص لتحفيظ القرآن يمنحها لهم حاكم المنطقة العسكري. ولا شك أن حديثه هنا يصدق على التعليم القرآني في الريف حيث يعيش معظم الجزائريين وحيث الزوايا كان لها صوت نافذ. ويرى السيد بوليو أيضا أن عده هذه المدارس (القرآنية) قد قدر سنة ١٨٧٨ بما يقرب من ألفي (٢٠٠٠) مدرسة، يتردد عليها حوالي ثمانية وعشرين ألف تلميذ (٢٨، ٠٠٠). وقارن بينها وبين المدارس الفرنسية الابتدائية (الموجهة للفرنسيين) (١). وبالطبع لم يكن للجالية الفرنسية في الجزائر هذا العدد من المدارس، وإنما هو قد ذكر العدد السابق لكي يسكت دعاة تعليم الجزائريين أمثال جول فيري J.Ferry والبان روزي A.Rozet، ولكي يتخلص رؤساء البلديات الذين عهدت إليهم سلطة بلادهم بفتح المدارس (للأهالي) من مخصصات ميزانية البناء وأجور المعلمين، فلم يفعلوا.

كان الحاكم العام، الجنرال شأنزي Chanzy، ضد التعليم القرآني، وكان يعتبره تعليما معاديا لفرنسا. ولم يكن وحده في ذلك، فقد سبقه إليه معظم الحكام الآخرين، سيما ديقيدون De Guydon، فإذا كان الحكام أنفسهم ضد هذا النوع من التعليم الإسلامي، فماذا سيكون مصيره؟ ولعل الفرق بين حاكم وآخر هنا هو أن شأنزي قد طال عهده (حوالي ست سنوات) وأنه أصدر قرارا يحد فيه من فتح المدارس القرآنية ويضع نصوص العقوبة للمخالفين. فكانت الرخص لفتح هذه المدارس قبل شأنزي يمنحها جنرالات المناطق العسكرية أو الولاة في المناطق المدنية. لكن شأنزي رفض منح هذا (الشرف) لمؤدبي الصبيان، وأصدر بدلا من ذلك قرارا ينص على أن كل الرخص سيمنحها منذئذ


(١) لوروي بوليو (الجزائر)، باريس، ١٨٨٦، ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>