الجنوب الغربي وضرب زاوية أولاد سيدي الشيخ وبعثرة الحركة التعليمية أيضا في الجهة. وفي الأوراس قامت ثورة العمري ثم ابن جار الله خلال السبعينات مما أدى إلى تشديد قبضة السلطات الفرنسية على الطرق الصوفية هناك وحتى على القياد والعناصر البارزة التي كانت، رغم خدمتها لفرنسا إداريا، تساند حركة التعليم القرآني.
ومن جهتها قامت الجمهورية الثالثة بإجراءات انتقامية ضد الجزائريين،. فإلى جانب غلق المدارس القرآنية والزوايا في مناطق الثورات، ومصادرة الأراضي الباقية في أيدي الثائرين وإعطائها إلى مشردي الألزاس واللورين، فرضت الضرائب الثقيلة على المشاركين في الثورات من قريب أو من بعيد، ونفت الأعيان و (الطلبة) الذين رأت فيهم الأعداء الدائمين. وقد ضرب ذلك الإجراء حركة التعليم القرآني في الصميم، لا سيما في الأرياف، بعد أن ضربها في المدن. وقد زاد الطين بلة أن الجمهورية الثالثة ألغت التعليم الابتدائي المزدوج الذي كان قد بدأه العسكريون سنة ١٨٥١، فألغت تلك المدارس القليلة بقرار، ودمجت المعهد العربي - الفرنسي (الكوليج) في الجزائر وقسنطينة، في الثانويات الفرنسية. وأحكمت قبضتها على المدارس الشرعية الرسمية المعدة لتخريج القضاة ونحوهم. وقد استمر هذا العداء للتعليم القرآني وغيره، إلى بداية التسعينات. واذا شكا الجزائريون من إهمال تعليمهم رغم دفعهم الضرائب الثقيلة المتنوعة للميزانية ورغم حقوقهم المشروعة والمهضومة في الأوقاف، أجابهم بعض ممثلي الكولون في شيء من السخرية والاستعلاء: أن لديهم (أي الجزائريين) أكثر من ألفي مدرسة قرآنية، ألا يكفيهم ذلك؟.
حقيقة أنه كان للجزائريين حوالي هذا العدد من المدارس القرآنية، ولكن التعليم العربي الإسلامي يشكل حلقات متواصلة، ولا يتألف من حلقة واحدة. فالابتدائي يحتاج إلى المتوسط وهذا إلى الثانوي، وهكذا. ومن أين يتغذى إذن التعليم القرآني إذا انعدمت الدروس المسجدية الرفيعة وحلقات الزوايا المفيدة ونهبت كنوز المخطوطات، وغاب مشاهير العلماء والفقهاء؟