لمعلمهم تختلف من حوالي ٦٠ سنتيم إلى فرنك واحد. ولكن العائلات الغنية تظهر عندئد سخاء ملفتا للنظر. وعندما يبدأ التلميذ في حفظ القرآن تقوم عائلته بتحضير وجبة يحضرها المعلم والتلاميذ، وأثناءها تقدم هدية جديدة للمعلم. وهناك حفلة كبيرة تقيمها العائلة أيضا إذا حفظ التلميذ القرآن الكريم كله، وهي عادة تكون عشاء عاما بالكسكسي واللحم.
لا شك أن هذه التفاصيل ليست خاصة بمنطقة زواوة، وأن كل الذين مروا بهذه الطريق، مهما كان مكانهم، سيذكرون العادات والتقاليد الملازمة للمدارس القرآنية. وقد تختلف التفاصيل والجزئيات كأجور المعلمين وسن دخول التلاميذ وخروجهم، وتوزيع الحصص، وما إلى ذلك. ولكن المؤكد أن المنهج واحد، وهو منهج لم تضعه دولة ولا وزارة ولا حزب ولا لجنة معينة، إنه منهج وضعه الدين والحاجة إلى صيانته وعبادة الله في أحسن وجه، والجميع يشتركون في تقديس القرآن، واحترام العلم، وحرمة المعلم. وذلك هو مبلغ علمهم. وعندما وقع الاحتلال وتغلغل الفرنسيون في البلاد وتسربوا إلى صفوف العباد، حاولوا أن يضعضعوا هذه العلاقة بين السكان والدين، وبينهم وبين اللغة، ثم بينهم وبين أنفسهم.
إذا كان التعليم القرآني قد أصيب بنكبة في المدن منذ الاحتلال للأسباب التي ذكرناها، فإنه قد أصيب أيضا في الأرياف إصابة قوية منذ ١٨٧١، لأسباب مختلفة، منها القضاء على مدارس وزوايا منطقة زواوة، وتغلغل الآباء البيض فيها، وإجبار الأهالي هناك على إرسال أطفالهم إلى المدرسة الفرنسية فقط (١)، دون غيرهم من الجزائريين. ومنها احتلال ميزاب منذ ١٨٨٢ وفرض المراقبة على حركة التعليم التي كان يديرها الشيخ محمد بن يوسف أطفيش هناك ومحاولته توحيد الجهود من أجل بعث تعليم حيوي قائم على تعاليم الإسلام وتقاليد السلف. ومنها أيضا التسرب إلى المناطق الصحراوية مثل وادي سوف ووادي ريغ وورقلة وتوات وتيديكلت، واستعمال الطرق الصوفية لهذا الغرض، وهي الطرق التي لم يعد لها سر. ومن جهة أخرى أدت ثورة بوعمامة (١٨٨١)، إلى السيطرة على منطقة