القرآن والوقوف على فرائض الصلاة؟ ذلك ما يريد الفرنسيون الاكتفاء به، فإذا تجاوزه المؤدب (المعلم) فإنه يكون قد دخل في السياسة وأزعج الأمن العام ورجع إلى الماضي، أي التعصب الديني في نظرهم. ومهما كان الأمر فإن تفاؤل الفرنسيين كان برقا خلبا، لأن الجزائريين لم يتخلوا أبدا عن المدرسة القرآنية. وقد طوروها بأنفسهم، كما ذكرنا، في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ومنها ما بقي على ما كان عليه شاهدا على التحدي والمقاومة العنيدة، لا سيما في المناطق الريفية النائية أو التي ظلت عسكرية إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في الدراسة التي أشرنا إليها يذكر الفريد بيل ملامح التعليم القرآني في وقته (١٩٠٨)، ويبدو أنه لم يتغير عما كان عليه منذ ١٨٣٠. ومع ذلك فآراء الفريد بيل، هذا المستشرق المعادي للعرب والمسلمين والذي تولى وظائف بارزة مثل إدارة مدرسة تلمسان، هي آراء جديرة بالتأمل. وإن نصائحه إلى الإدارة الفرنسية ضد التعليم القرآني لتدل على تفاؤله الساذج، رغم علمه وكثرة تجاربه وتآليفه. يقول وهو يتحدث عن التجربة منذ إصلاح ١٨٩٢، أن تلاميذ المدرسة القرآنية قد تركوها إلى المدرسة الابتدائية الفرنسية، وبعضهم كان يجمع بين المدرستين. وسيحل، في نظره، التعليم اللائكي (غير الديني) للفرنسية والعربية في المدرسة الفرنسية الخاصة بالأهالي، محل المدارس القرآنية بالتدرج. ثم أن المدرسة التحضيرية التي تنوي فرنسا إقامتها (وقد فعلت) في الأرياف، ستجعل الأطفال الجزائريين يتركون التعليم القرآني، لأن معظم الآباء إنما يرسلون أولادهم إليه ليتخلصوا منهم فقط. وفي هذه المدرسة التحضيرية écoles préparatoires - سيتعلم الطفل القراءة والكتابة بالعربية والفرنسية، ويتلقى مبادئ الحساب ومعارف مفيدة، تجعل منه عاملا ماهرا (وهو هدف التعليم الفرنسي الجديد). وبهذه الطريقة يخرج الطفل من المدرسة القرآنية ويذهب إلى المدرسة التحضيرية الفرنسية.
وبعد أن قدم الفريد بيل صورة مفصلة عن المدرسة القرآنية (الكتاب)، والتلميذ والمعلم والأدوات (اللوح، والدواة، وقلم القصب ...) ومنهج التعليم يقول: إن التلميذ لا يفهم أي شيء مما يحفظ، ويمنع عليه أن يسأل