ذلك، كما أن الطالب الذي لا يفهم هو أيضا، يحذر التلميذ أن يسأله. وهذا رأي مبالغ فيه لأن المؤدب يعرف قوى التلميذ العقلية، فهناك أمور يعلمها له ويصارحه بها وهناك أمور تترك إلى مرحلة لاحقة. وما دام القانون الفرنسي يشترط عدم التفسير والتفهيم والشرح، فهل الذي يلام هو المنهج التعليمي أو التعسف الإداري؟ إن كثيرا من الكلمات كانت تؤول وتصل إلى الإدارة بطريقة مفخمة فتؤدي بالمعلم المسكين إلى المساءلة بل والسجن، تحت طائلة قانون الأهالي الاستثنائي.
وفي عهد بيل هذا كان التعليم القرآني غير مجاني، ولكن الفقير معفى من الدفع. وليس هناك أجر محدد للمعلم. ففي المدن قد يصل ما يدفعه الموسرون إلى خمسة فرنكات للشهر. ولكن بعضهم يدفع أقل من ذلك. والدفع في الريف سنويا وهو عادة زمن الحصاد، ويدفع عينا لا نقدا، كما ذكرنا. وفي الريف والمدينة يقدم الآباء هدايا للمعلم، سيما في المواسم الدينية وعند ختم التلميذ لأجزاء من القرآن أو كله.
وقد انتقد السيد بيل منهج التعليم القرآني، كما انتقده قبله زميلاه هانوتو ولوتورنو (١). وكل النقد كان منصبا بالدرجة الأولى على طريقة الحفظ دون الفهم. فالتركيز على تقوية الحافظة مما يترتب عليه، في نظر بيل، النظر إلى القرآن عند التلميذ نظرة تقديسية. وهكذا فإن روح البحث تعتاد على الكسل، كما تعتاد على الثقة في القيم الخارقة للعادة Surnaturel رجاء المساعدة من الله. إن وجود المدرسة (المسيد) والشريعة في القرية في حد ذاته يعتبر بركة عند السكان. وهذه في نظر بيل، هي عقيدة الشعوب البدائية في كل مكان، إذ تعتقد أن كل شيء مكتوب له قوة خارقة، فما بالك إذا كان المكتوب قرآنا! ثم أن التلميذ الذي حفظ القرآن يعتبر محظوظا عند الله، وهو لا يقوم بعمل يدوي، ولا يبقى له سوى جمع بعض المريدين من حوله،
(١) يقول هانوتو ولوتورنو عن التعليم القرآني، والإسلامي عموما، أنه أسوأ تعليم موجود على وجه الأرض. انظر فقرة أخرى من هذا الفصل (الزوايا).