اعتقادا فيه أنه كائن شبه خارق للعادة، قادرا بفضل حفظه للقرآن، على صد كل المصائب. ويعتقد بيل أن (الطالب) الذي تكون بهذه الطريقة يعيش عيشة مشكلة. فهو يكسب معاشه من الصدقات، ويتقاضي أجرا على الأحجبة التي يكتبها لإخوانه في الدين. وقد أجاب بيل عن أصل المشكل بنفسه حين قال إن هذا الطالب يرضى بهذه العيشة التدجيلية (شارلتان) إذا لم يستطع أن يفتح مدرسة قرآنية. إن كل هذه الحياة المعضلة للطالب المشرد هي كونه لم يجد موردا للرزق مما تعلمه.
وقد صدق السيد بيل في عدد من النقاط التي انتقد بها التعليم القرآني كالاكتفاء بالحفظ، وجمود الذهن، والكسل العقلي، وما إلى ذلك. وهذا بالطبع ليس من التربية في شيء، وليس مستمدا من القرآن نفسه ولا من السنة. وعلماء التربية المسلمون وضعوا الأساس للتعليم الصحيح (١). ولكن ظاهرة التخلف أوصلت التعليم القرآني، وغيره، إلى الحد الذي وصفه بيل. بقي سؤال، وهو ما دور الإدارة الفرنسية في ذلك؟ أليست إدارة احتلال وبيدها الميزانية والمسؤولية على التعليم الإسلامي والفرنسي؟ فماذا فعلت؟ أننا لا نقول أن الإدارة مسؤولة عن كل التخلف، ولكنها كانت شاهدة عليه ومشجعة له وكرسته في الطرق الصوفية المنحرفة وفي العلماء المدجنين وفي المدارس القرآنية التي تخرج أمثال الطالب الذي يتحدث عنه. وبدل أن يقترح بيل الارتقاء بهذا التعليم وإخراجه من الهوة التي وضعه فيها الإداريون والخبراء الفرنسيون أخذ يهوى بفأسه على رأس المؤدبين والتلاميذ وكتاب
(١) تحدث ابن خلدون عن ظاهرة الحفظ في بلاد المغرب العربي، وعزاها إلى ضعف الملكة بانقطاع سند التعليم عند أهلها وقال: (فتجد طالب العلم منهم، بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية، سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة. فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم ... وما أتاهم القصور إلا من قبل التعليم وانقطاع سنده. وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ من سواهم، لشدة عنايتهم به، وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية، وليس كذلك). المقدمة، ط. بيروت، ١٩٦١، ج ١، ص ٧٧٣.