منها نفي أو هجرة العلماء، ومنها تدجين الباقين إذ أنهم أصبحوا موظفين يتقاضون أجورهم ومرتباتهم من الإدارة الفرنسية بعد أن كانوا مستقلين يتقاضون ذلك من مداخيل الأوقاف. وقد عرفنا أن هذه المداخيل قد استولت عليها الدولة الفرنسية وصادرت أملاك المساجد والزوايا نفسها التي كانت أماكن للعبادة والتعليم وإدارة القضاء. وكان التعليم الثانوي والعالي أول ضحايا هذه التطورات، من يدرس؟ أين يدرس؟ من يدفع؟ من يسمى؟ الخ. ولقد دامت هذه الحالة من الذبذبة والفوضى والإهمال إلى حوالي ١٨٥١.
ولكن بين ١٨٣٠ وذلك التاريخ (١٨٥١) انقرض جيل كامل من العلماء والطلبة والوكلاء. انقرضوا أو تبددوا نتيجة الحروب المتواصلة، وتقطعت بهم السبل في المنافي والمهاجر، أفرادا وعائلات: ولنذكر من الأفراد ابن العنابي والكبابطي والسكلاوي وحمدان خوجة، والقاضي عبد العزيز، وعائلة المشرفي وعائلة الأمير عبد القادر وعائلة ابن المرابط الخ ... وكثير من الأفراد والعائلات لم تهاجر من الوطن وإنما انتقلت إلى الأماكن التي لا يسيطر عليها الفرنسيون مثل عائلة ابن الحفاف، وابن رويلة، وأحمد البدوي والشريف الزهار وسيدي علي مبارك. ونحن لا نذكر هنا إلا العائلات والأسماء العلمية التي كان فيها التدريس والمكتبات.
من جهة أخرى عرفنا أن هدم عشرات المساجد أو تحويلها إلى كنائس ومستودعات أو منحها للجيش والجمعيات الدينية الفرنسية، كل ذلك حرم العلم من مقراته ومن موارده أيضا، لأن كل بناية كان لها ريعها ووكيلها ومدرسها.
ولا نريد أن نعود للحديث عن مصير المساجد أوائل الاحتلال، وحسبنا القول أن الدروس التي كانت تلقى في أغلبها قد توقفت نتيجة هدم العشرات منها أو تعطيلها. فدروس مساجد الحاج حسين باشا وعبد ي باشا، وجامع السيدة، كلها قد توقفت. وكذلك دروس مسجد كتشاوة ومسجد علي بتشين وجامع القصبة ... فقد توقفت لأنها قد تحولت إلى كنائس. وكذلك