للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جامع سوق الغزل بقسنطينة وجامع خنق النطاح بوهران وجامع العين البيضاء بمعسكر. وهناك دروس أخرى قد توقفت أيضا لأن المساجد قد حولت إلى ثكنات ومخازن واسطبلات. وحتى الجامع الكبير والجامع الجديد بالعاصمة لم يسلما من العبث والإهانة، إذ كلاهما استنقص منه وأغلقت منه بعض الأبواب ثم حجبا عن الأنظار من جهة البحر، وأخيرا هددا بالزوال تماما سنة ١٩٠٥. وقل مثل ذلك في مساجد قسنطينة وبجاية وعنابة ووهران والمدية ومعسكر الخ. إن المدينة الوحيدة التي سلمت مساجدها تقريبا هي تلمسان، ومع ذلك فقد منحت مداخيلها أيضا كغيرها إلى أملاك الدولة وحول بعضها إلى متحف أو اعتراه البلى.

أمام هذه المعاملات للمساجد لا أحد كان ينتظر استمرار الدروس فيها. فلا العلماء ولا الفقهاء كانوا مستعدين لمواصلة مهمتهم في جو من الارهاب والبطش وعدم الاستقرار، ولا الفرنسيون كانوا سيسمحون بذلك وهم يحاولون وضع أيديهم على كل شيء في البلاد، ولا الطلبة الذين لم يعد يطيب لهم المقام في مدن تحت قبضة العدو. وهكذا كان الاحتلال وما تلاه من إجراءات وإرهاب ومصادرة سببا في توتف دروس المساجد في المدن. وما دام الفرنسيون قد وضعوا أيديهم على المساجد منذ اللحظة الأولى للاحتلال، فإنهم قد وضعوا أيديهم أيضا على فئة العلماء والفقهاء الذين كانوا يدرسون فيها. ويبدو أن الفرنسيين لم يسمحوا باستئناف الدروس في المساجد إلا خلال الأربعينات، ولكن في حدود ضيقة جدا. فحوالي ١٨٤٣ سمحوا لثلاثة فقط من (الطلبة) بإعطاء دروس في المساجد الثلاثة (؟) بمدينة الجزائر (١). ولا تخرج هذه الدروس عن الفقه وقواعد الدين للعامة وليس للراغبين في العلم، كما كان الحال. ولا ندري الآن أسماء المدرسين، ونعتقد أن الكبابطي قد كان أحدهم قبل نفيه.

وقد جرت تعيينات مشابهة في قسنطينة أيضا. فعين الشيخ مصطفى بن


(١) السجل (طابلو)، سنة ٨٤٤ ١ - ١٨٤٥، ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>