الحفاف ممن أخذوا الإجازة عن الشيخ محمد الصالح الرضوي البخاري ولكنها كانت إجازة في الاسم الأعظم فقط وليس في العلوم. ولعل ابن الحفاف قد درس على بقايا الشيوخ في عهد الأمير عبد القادر، وقد عرفنا أن من أصهاره قدور بن رويلة كاتب الأمير الشهير وواضع اسمه على كتاب (وشائح الكتائب). ولم يترجم أبو القاسم الحفناوي في تعريف الخلف لابن الحفاف رغم قربه منه ومعرفته له وأخذه إجازة عنه يوما واحدا قبل وفاته سنة ١٣٠٧.
ويبدو أن ابن الحفاف تولى الفتوى المالكية والتدريس في الجامع الكبير على إثر وفاة الشيخ حميدة العمالي سنة ١٨٧٣. وبذلك يكون قد تولى في فترة الحاكمين العامين شأنزي ولويس تيرمان، وكلاهما حكم في فترة حالكة السواد من تاريخ الجزائر بالنسبة لاضطهاد العلماء والتعليم، كما عرفنا. ولذلك لا نستغرب أن يمل ابن الحفاف المقام في الجزائر وأن تحدثه نفسه بالهجرة إلى المشرق. فقد رأى وسمع بما حدث لمواطنيه على أثر ثورة ١٨٧١ وثورة بو عمامة. وشاهد غطرسة الكولون في عهد الجمهورية الثالثة المتنمرة وتجنيس اليهود الجماعي، وإهانة القضاء الإسلامي بإلغاء صلاحيات المحاكم الإسلامية إلا في الأحوال الشخصية. ونحو ذلك من أنواع الإذلال والغطرسة. وكانت في ابن الحفاف رواسب حركة المقاومة البكر التي انضم إليها. وقد حدثته نفسه حتى بالانضمام إلى الطريقة الشاذلية، طريقة الشيخ محمد الموسوم بقصر البخاري. ويقال أنه هو الذي اقترح هذا الرجل الصوفي إلى منصب مدير المدرسة الشرعية - الفرنسية الرسمية على السلطات. ولكن الشيخ الموسوم رفض العرض. وكان الشيخ ابن الحفاف يبحث عن ولي وصديق يشد به أزره ويشاوره في أمره.
وجاء هذا في شخص محمد بيرم الخامس سنة ١٨٧٨. فقد ساره بسره وخلجات نفسه، وهي الرغبة في الهجرة. وكان بيرم رحالة جواب آفاق، يعرف العالم الإسلامي والأروبي. فنصح ابن الخفاف بالبقاء لخدمة العامة لا الخاصة، في دروسه في الفقه والتوحيد وبعض المعارف الدينية المسموح