٩ - محمد السعيد بن زكري: من أبرز مدرسي العاصمة في الفترة التي نتناولها. وقد تولى ابن زكري بالإضافة إلى التدريس، الإمامة والإفتاء. ولكننا لا نجده في تقارير المفتشين، فهل انقطع عن التدريس قبل وفاته سنة ١٩١٤ بفترة؟ إن مكانته وتلاميذه وآثاره تجعله من مشمولات هذا الفصل.
وقد كان الشيخ ابن زكري من المتعلمين العصاميين. لم يدرس دراسة منتظمة، وإنما تخرج من المساجد والزوايا، فكان من القلائل الذين وصلوا بعد ذلك إلى أكبر منصب تخصصه فرنسا لرجال الدين الإسلامي. ولد ١٢٦٧ (١٨٥١) في بني زكري بمنطقة زواوة أثناء ثورة الشريف بو بغلة وفتح عينيه على الانتفاضة التي استمرت في عهد لاله فاطمة نسومر والحاج عمر. ولم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى وقعت الثورة الرحمانية بقيادة الشيخ الحداد والباشاغا المقراني. ولكنه مع ذلك حفظ القرآن في جامع القرية ثم التحق بزاوية الشيخ عبد الرحمن اليلولي التي بقى بها سنوات. وظل يتنقل بين الزوايا أو المعمرات لإتمام دراسته، إلى أن وصل إلى العاصمة سنة ١٢٩٧ (١٨٩٠). وقد قال عن نفسه أنه منحدر من نسل أحمد بن زكري المغراوي التلمساني المتوفى سنة ٩٠٠ (١٤٩٤) بتلمسان (١). ويعتبر ابن زكري نفسه من الأشراف.
ولعله قد درس بالعاصمة في أماكن غير رسمية قبل أن يصبح إماما في جامع سيدي رمضان سنة ١٨٩٦. وفي هذه السنة حصل على وسام الأكاديمية (التعليم). وكان لابن زكري علاقة مع مدير الشؤون الأهلية، دومينيك لوسياني الذي يعرف كيف يختار ضحاياه. وقد ذكر لوسياني نفسه أنه استعان بالشيخ ابن زكري في ترجمة قصائد الشاعر الشعبي إسماعيل أزيكيوي. كما استعان بغيره في ترجمة كتاب (أعز ما يطلب) لابن تومرت، والسلم المرونق للأخضري، الخ. ويبدو أن ابن زكري كان من الفقهاء المتمكنين من علمهم. وكان عارفا بعلم الكلام أيضا، ولكن مادته فيه هي
(١) محمد الحاج صادق في مادة (ابن زكري)، دائرة المعارف الإسلامية، ص ٢٣.