للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكبير بقسنطينة ولا يكاد عمره عندئذ يتجاوز الخامسة والعشرين. فما الذي جعل السلطات الفرنسية ترشح هذا الشاب إلى هذا المنصب التقليدي المخصص عادة لفحول العلماء وكبار الشيوخ؟ لقد كان في قسنطينة عندئذ أسماء باقية من عائلة ابن باديس والفكون وباش تارزي وابن جلول الخ. ولكننا نعرف أن السلطات الفرنسية كانت تميل إلى إدخال العناصر الجديدة على القديمة، برفع المنخفضين أحيانا وتقريب المبعدين أحيانا أخرى ونقل علماء الغرب إلى الشرق تارة ثالثة، وهكذا. وما صعود محمد الشاذلي والمولود بن الموهوب، وما السماح للمجاوي وترقيته ولآل أبي طالب وتقديمهم إلا جزءا من هذه الظاهرة. ولكن حمدان الونيسي لم يكن فيما يبدو من المنخفضين ولا من المبعدين ولا من الغرباء، ولذلك يظل السؤال حول تعيينه في تلك السن المبكرة لهذه الوظيفة الهامة في مدينة عريقة في تقاليدها قائما.

ومهما كان الأمر فقد ملأ الشاب حمدان مكانه في الجامع الكبير وسرعان ما أصبح من الأعيان المشار إليهم بالبنان. ففي عريضة أعيان قسنطينة التي تضمنت مظالم أهل البلاد ضد السلطات الفرنسية وجدنا اسمه بين الموقعين سنة ١٨٩١. فهو حينئذ بين كبار الملاكين والنواب والمفتين والقضاة الرسميين. وقد تبنى مطالب أساسية حول الأرض والقضاء الإسلامي والتعليم العربي والضرائب والسياسة الأهلية ما يمكن أن تحاسبه عليه السلطات الفرنسية لجرأته، مع غيره. وكان ذلك في فترة حرجة من تاريخ الجزائر، وكانت بداية دروسه في عهد مظلم نسميه عهد لويس تيرمان (١٨٨٢ - ١٨٩١). ومن الممكن القول إذن أن الشاب حمدان قد تعلم الكثير من السياسة الاستعمارية منذ ١٨٨١ (تاريخ تعيينه) ونشر ذلك في تعليمه للناس بالمسجد بطريقته الخاصة، كما شارك في الحياة السياسية العامة التي كانت تتحرك ببطء من حوله.

يصفه خبراء الاستعمار، وهم هؤلاء المستشرقون الذين كانوا يفتشون دروسه منذ سنة ١٩٠٥، بأوصاف تدل على أنه لم يكن مدرسا عاديا. يأكل

<<  <  ج: ص:  >  >>