الخبز ويمشي بين الناس، كما كان أغلب الموظفين والمدرسين عندئذ. قال عنه موتيلانسكي مدير مدرسة قسنطينة في أول تقرير عنه، أنه مكسب لمدينة قسنطينة وأنه أهل للدروس العليا وليس الابتدائية. ووصفه شارل سان كالبر، الذي خلف موتيلانسكي في إدارة المدرسة المذكورة، أنه واضح الدرس رفيع المستوى، وأن تلاميذه أغلبهم من القرى المجاورة، وفيهم من جاء من عنابة وليس منهم من يرغب في الترشح للمدرسة الرسمية، وجميعهم يجهلون الفرنسية تقريبا. ولاحظ هذا المفتش أن حمدان لم يبد أية رغبة شأن الآخرين، لا في زيادة الراتب ولا في الترقية ولا في التحويل إلى جهة أخرى (١). وفي تقرير لاحق وصفه نفس المفتش (سنة ١٩٠٨) بأنه (رجل ذكي جدا، وله روح رقيقة) وأن درسه مفيد جدا، وله طريقة حية يستعمل فيها الأسئلة، وله صوت نافذ ولغة سهلة. وقد قضى إلى ذلك الحين ٢٨ سنة في التدريس. وأوصى له بوسام أكاديمية باعتباره قضى عمرا طويلا في المهنة وباعتباره (من بين المدرسين أكثر ذكاء وإخلاصا للتعليم الإسلامي). ومن كل ذلك نفهم أن لهذا الشيخ رسالة كان يبثها في تلاميذه وفي الناس الذين يحضرون دروسه الفقهية وغيرها. وهي الرسالة التي تلقاها عنه وفهمها بعضهم أمثال عبد الحميد بن باديس ولم يفهمها، ربما، أمثال الشيخ محمود كحول (ابن دالي) الذي كان أيضا من تلاميذه.
عاصر حمدان الونيسي عددا من الشيوخ والعلماء في قسنطينة وغيرها. عاصر المجاوي الذي تنقل من الجامع إلى المدرسة الكتانية، ثم إلى المدرسة الثعالبية في العاصمة، وقد بلغ من الشهرة والنفوذ العلمي مكانة مرموقة. وعاصر محمود بن الشاذلي، وقد خلف والده في إدارة المدرسة ثم تولاها المستشرقون الفرنسيون، وبقي هو مدرسا شرفيا فقط، ولكنه ظل يلقي الدروس الفقهية في نفس المدرسة إلى أن تقاعد ثم توفي سنة ١٩٠٥.
(١) سان كالبر، مرجع سابق، تقرير سنة ١٩٠٧. هل كانت للشيخ الونيسي خطة في تكوين التلاميذ لجامع الزيتونة مثلا؟ هل يأتيه المتخرجون من الزوايا والمدارس القرآنية الذين كانوا يبحثون عن شيوخ في مستواه يبل صداهم؟.