ورغم النقد الذي قد يوجه إلى منهج التعليم في الزوايا المذكورة أو إلى استعمال الخرافات والبدع في بعض زوايا الطرق الصوفية، فإن المرء لا يملك إلا أن يزداد إكبارا وتقديرا لمقاومة رجال الزوايا التعليمية في منطقة زواوة التي جعلتها السلطات الفرنسية هدفا لمسخها ففشلت. فالزوايا التعليمية الباقية بعد الاحتلال والاضطهاد، والتي قدرت بين ١٧ و ١٩ زاوية يجب التنويه بها. وقد تعرض معظمها إلى الحرق والتلف أثناء ثورة التحرير مما يدل على الطغيان الاستعماري. وقد ذكرنا منها زاوية اليلولي، وابن أبي داود (تاسلنت)، وزاوية آل سحنون، وزاوية صدوق، وحتى زاوية شلاطة رغم مواقف بعض أصحابها الذين لم يقدروا حكم التاريخ.
وقد بقي علينا أن نقول كلمة في زاوية ظهرت أيضا زمن الطغيان الاستعماري في المنطقة، وهي زاوية بوجليل في بني عباس. وصاحبها يستحق الدراسة من عدة وجوه، فهو عالم ومقدم طريقة ومؤلف. ونحن هنا إنما نهتم به كعالم ومدرس في زاوية لعبت دورا في نشر التعليم العربي الإسلامي. أما دوره في التصوف (وقد كان رحمانيا) فمكانه فصل الطرق الصوفية، وأما مؤلفاته فسنعالجها في الجزء الخاص بذلك. ولد الشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي حوالي ١٨٣٦ في قرية بوجليل، إحدى قرى بني عباس حكم بجاية، وهي مقر آل المقراني قبل انتقالهم إلى مجانة. وأسرة البوجليلي معدودة في الأشراف حسب رواية الورتالاني. وظلوا يقومون على خدمة العلم. وقد اشتهر منهم محمد بن بلقاسم هذا في ميدان التعليم. وسمعت شخصيا تنويها كبيرا به من قبل المرحوم محمد البشير الإبراهيمي الذي حدثني عنه عندما كنت طالبا في مصر. ولم أكن إذاك أعرف شيئا عن الشيخ البوجليلي. والشيخ الإبراهيمي الذي قلنا إنه درس في زاوية شلاطة،
= الأعراش الآتية: فليسة، آيت اسماعيل، والمعاتقة، والنزليوة، والعبيد، الخ. انظر (مونوغراف ... ذراع الميزان) في SGAAN، ١٩١٣ ص ٤٦٢.