خراب ومطاردات. وكانت أولاد جلال وزاوية الشيخ المختار من المجندين في هذه الثورة أيضا. إن العلم والتصوف والجهاد هنا لا ينفصل أحدهما عن الآخر. وقد حدث نفس الشيء أيضا في زوايا زواوة.
وبعد أن رتب الشيخ محمد بن بلقاسم زاوية أولاد جلال رجع إلى الهامل وأسس الزاوية الحالية من تبرعات الأهالي السخية، وهو المشاع. ثم انتصب للتدريس في العلوم التي حذقها. وكان فصيح اللسان، ومطلعا ذكيا، وعالما واسع المعرفة، ولم يكن ليكتفي بما لقنه شيوخه بالطريقة التي انتقدها هانوتو ولوتورنو بشدة، بل قرأ كتبا غيرها، ولاحظ الآراء التي تقال هنا وهناك، وعلم أن العلم ليس في الحفظ وحده ولكنه في إدراك الحقائق عن طريق التأمل والمساءلة والمحاورة والشك. وكانت الناحية متعطشة للتعليم فأقبل عليه التلاميذ من كل فج، وانتشرت سمعته كعالم قبل كل شيء. ولكن منطق العصر رأى أن هذا العالم قادر أيضا على الإتيان بالكرامات، فاعتقد الناس في الشيخ محمد البركة والكرامة إلى جانب العلم والفصاحة. ولم يكن ليرفض ذلك للسبب الذي ذكرناه، ولأن السلطات الفرنسية لا تسمح بالتعليم على هذا النطاق إلا في حدود التصوف الذي يخدم مصالحها. ثم أن الشيخ، رغم مصاهرته آل المقراني، لم يشايعهم في ثورتهم، ورغم أنه رحماني فإنه لم يشايع الشيخ الحداد أيضا. وهكذا أظهر استقلاله التام وحياده إزاء ثورة ١٨٧١، ولكن ذلك لم يمنعه من استقبال اللاجئين إلى الزاوية من الفريقين (آل المقراني وآل الحداد)، ولنا أن نفهم أن الشيخ محمد بن بلقاسم قد استعمل العلم غطاء للتصوف واستعمل التصوف غطاء للعلم. كما استعملهما معا غطاء للسياسة. ولو تأملنا في سيرته وسيرة البوجليلي وسيرة الموسوم وعلي بن عثمان لوجدناهم من طينة واحدة في الذكاء والعلم والمناورة ليعيشوا مع العصر الذي وجدوا أنفسهم فيه. وقد قدموا جميعا خدمة كبيرة للتعليم العربي ولكنهم لم يستطيعوا أن يخترقوا حدود الواقع ولا أن يتقمصوا هوية الشعب، رغم أن بعض الباحثين