للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى أن موقفهم كان يمثل صمود ومقاومة الثقافة الوطنية (١)، وكلهم عرفوا الفرنسيين عن كثب وخالطوهم.

استعان الشيخ محمد بن بلقاسم في التدريس بعدد من الشيوخ، خلافا للزوايا الأخرى. كان الشيخ يستعين فقط بتلاميذه القدماء ويجعل منهم طبقات تعلم إحداها الأخرى. ومن أشهر من استعان بهم ابن أخيه محمد بن الحاج ومحمد بن عبد الرحمن الديسي، وعاشور الخنقي. وكان الثلاثة، ولا سيما الثاني، قد كرسوا أنفسهم لخدمة العلم تدريسا وتأليفا. ففي ظلام حكم شأنزي ولويس تيرمان ومن جاء بعدهما كانت زاوية الهامل تبعث نورا عاليا في الخافقين. وقد يكون ذلك هو الكرامة الحقيقية للشيخ، لأن العلم هو أكبر كرامة للإنسان. كانت سمعة الشيخ محمد بن بلقاسم العلمية والروحية تملأ الأفق، ويسير بها الركبان، وكانت سمعة الشيخ الديسي في الفقه واللغة والعقائد قد وصلت إلى المغرب وتونس. أما سمعة الشاعر عاشور فقد لفتت الأنظار إلى ما في زاوية الهامل من رصيد أدبي قوي، سيما عندما نظم أشعاره في الدفاع عن الأشراف، وشارك علماء المغرب والمشرق في النزاع الذي نشأ حول هذه المسألة. وكان الشيخ عاشور يوقع أشعاره ورسائله بـ (كليب الهامل) أو حارس زاوية الهامل والأشراف (٢).

وبرنامج التعليم الذي راج في زاوية الهامل هو نفسه البرنامج القديم للدراسات العربية والإسلامية، فالشيخ محمد كان يدرس التفسير والفقه والحديث والتوحيد. ولكنه كان لا يهمل الأدب والتاريخ والسيرة النبوية. وتدعمت الدراسات الأدبية بانضمام الشيخ عاشور، كما تدعمت دراسة العقائد والمنطق بانضمام الديسي. وكانت الكتب المخطوطة والمطبوعة ترد على


(١) كلنسي - سميث (ثائر وقديس)، فصل الشيخ وابنته، ١٩٩٤.
(٢) سنعالج هذه القضايا في فصل الشعر. وللشيوخ الثلاثة (ابن الحاج، والديسي، والخنقي) تآليف سنعرض إليها. وعن بركة الشيخ الهاملي ونظرة الناس إليه كمتصوف انظر فصل الطرق الصوفية وما كتبه عنه ديبون وكوبولاني، وأشيل روبير ... أما ترجمته في (تعريف الخلف) فهي مليئة بالمبالغات السخيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>