ومتعلم، قرأ العلم وأقرأه في عدة أماكن وبلدان. وهاجر من أجله ومن أجل السلوك الروحي، وترك إملاءات وآثارا تدل على قدرة عقلية كبيرة، فإن خلفاءه في الجزائر لم يتبنوا التعليم كأساس لنشر سمعتهم الصوفية وبركاتهم، بل اكتفوا في أغلب الأحيان بالأوراد والأذكار وممارسات طقوسية تكاد تنافي العلم. وولدا الشيخ أحمد التجاني، وهما محمد الكبير وأخوه محمد الصغير لم يتمكنا من بعض التعليم في المغرب إذ توفي والدهما وتركهما يتيمين في حالة قصور. وقد مات الأول في محاربة باي وهران بناحية معسكر، وعاش الثاني إلى سنة ١٨٥٣. وكان رجلا مجربا وداهية أكثر منه عالما. ذلك أنه لم يتول أمر الزاوية إلا بعد وفاة شيخ تماسين (سنة ١٨٤٤)، ولذلك لم تستقطب زاوية عين ماضي في عهده التلاميذ ولا كبار العلماء، وإنما كانت تقرئ القرآن فقط لأبناء البلدة شأن أي مسجد في أية قرية.
ثم فقدت الزاوية مكانتها بعد وفاته أيضا، إذ تحول مركز الثقل إلى تماسين من جديد. وزاد الطين بلة فراغ زاوية عين ماضي بعده من أي مدرس أو مكتبة أو حتى وريث شرعي، حسب بعض الروايات الفرنسية. وكان المشرى الريان، هو الوصي على الزاوية وقايد البلدة للفرنسيين، هو رجل لا يهمه العلم ولكن تهمه السمعة والمال. ولذلك أهمل حتى تعليم الطفلين المشتبه في أمرهما وهما أحمد والبشير (١). وقد ظل أمر زاوية عين ماضي على تلك الحال حتى في العهود اللاحقة عندما انتقلت إقامة الشيخ أحمد إلى قصر كردان حيث أقام مع زوجته الفرنسية أوريلي بيكار. وكان الشيوخ عادة هم الذين يعطون المثل في التعليم والاهتمام بالتلاميذ وجمع الكتب ومراسلة العلماء وتبادل الزيارات معهم، ولكن هذه السيرة لم تعرفها عين ماضي مع الشيوخ الذين تولوا أمر زاويتها بعد الشيخ محمد الصغير.
كما أن تماسين لم تعرف عن شيوخ زاويتها حب العلم والدعوة إليه وممارسته إلا قليلا. فمؤسس زاوية تماسين منذ ١٢١٤ (١٧٩٩)، وهو
(١) عن هذه القصة انظر رين (مرابطون ..)، وتروميلي، وكذلك فصل الطرق الصوفية فقرة الطريقة التجانية.