للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته فلم يسعفه إلا الفرار إلى المغرب حيث استوطن مدينة فاس وسكن بجوار القرويين ووجد من سلطانها الأمن والاعتبار. وتولى هناك تدريسنفس الكتب التي ذكرناها وتوسعت آفاق معارفه بالتعرف على علماء جامع القرويين والاستفادة من خزائن كتب فاس في أبحاثه.

وكانت دروس الونشريسي حافلة وذات شهرة واسعة. ولا يعود ذلك إلى غزارة علمه وتمكنه من مادته فقط بل يعود أيضا إلى فصاحة قلمه ولسانه معا. وتذكر مصادر ترجمته أنه كان لا يبارى في الفقه كما كان لا يباري في النحو أيضا، ويستدلون على ذلك بالنسبة للفقه بأن من لا يعرفه يقول إنه لا يحسن غير الفقه كما أن من رآه في درس النحو وإجادة العبارة والتمكن من القواعد يقول لو كان سيبويه حيا لتتلمذ عليه (١). وعلى ما في هذه الأقوال من مبالغة فإنها تدل على مكانة الونشريسي بين معاصريه في هاتين المادتين الأساسيتين عندئذ. وهم يذكرون أيضا عددا من التلاميذ الذين تخرجوا عليه. ومنهم ابنه عبد الواحد الونشريسي وأبو محمد عبد السميع المصمودي ويحيى السوسي، ومحمد بن عبد الجبار الورتد غيري (٢).

وقد ترك الونشرسي عددا من التآليف التي ما يزال بعضها يحتفظ بقيمته إلى اليوم ومن ذلك موسوعته (المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب) و (إيضاح المسالك على قواعد الإمام مالك) و (المنهح الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق). ومعظم المؤلفين يذكرون الكتاب الأخير مختصرا هكذا (الفائق في الوثائق). وله أيضا (تعليق على مختصر ابن الحاجب) في ثلاثة أجزاء و (غنية المعاصر والتالي في شرح وثائق القشتالي) و (أجوبة فقهية) وتدعى أحيانا أجوبة أو فتاوي الونشريسي و (فهرسة) بشيوخه و (الوفيات) (٣).


(١) ابن مريم (البستان)، ٣٥. وابن القاضي (جذوة الاقتباس) ٨٢.
(٢) انظر (سلوة الأنفاس) ٢/ ١٥٤.
(٣) نفس المصدر ١٥٥ وقد نسب إليه ابن القاضي تأليفا في الفروق. كما قال إنه كان ينظم الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>