فصادف رجوع أخيه إبراهيم من رحلة علمية في مصر وعمان. فوجد محمد في أخيه المزيد من المعارف التي تطمح نفسه إليها فلازمه حتى حصل منه على ما يعادل الآن المرحلة الثانوية. ومن العلوم التي أخذها عن أخيه علوم الدين والعربية والمنطق والحساب، والفلك والتاريخ. وكانت لمحمد بن يوسف ذاكرة قوية وموهبة عظيمة. وقد استفاد عندئذ من مكتبة أخيه ومكتبة الشيخ الثميني. ورغم صغر سنه فقد اعترف له شيوخه بالقدرة على التدريس ولما يتجاوز العشرين.
منذ حوالي ١٨٤٠ إذن أخذ محمد بن يوسف يدخل الحياة العامة عن طريق التدريس. وقد ظهر على علماء البلدة ثم على علماء ميزاب، ثم شاع أمره حتى بلغ أقصى الأقطار الإسلامية. وقال بعضهم أنه بلغ درجة الاجتهاد وصار مرجعا في الفتاوى. وبدأ يؤلف وهو في سن العشرين أيضا. واهتم بعلم النحو على الخصوص، وهو علم عقلي يحصن صاحبه من الوقوع في الخرافات. فدرس أعمال المؤلفين المعروفين في النحو. ونظم هو كتاب مغني اللبيب لابن هشام في ٥.٠٠٠ بيت، وهو ما يزال مراهقا. وكان كثير القراءة والمطالعة، وهي عادة لم تفارقه مدى الحياة، وكان يستفيد من ذلك ويؤلف أيضا حتى وهو في حالة سفر.
أما حياة الشيخ محمد بن يوسف العامة فتميزت بإقامة أسرته، وتوليه شؤون العزابة والفتاوى، والتدخل لدى السلطات الفرنسية للمحافظة على تقاليد البلاد وحرمة الدين، والمراسلات مع الشخصيات العلمية والسياسية، كما سنعرف. تزوج الشيخ محمد بن يوسف ثلاث نساء، وقيل أن بعض زواجه منهن كان من أجل المكتبات التي كانت لأهلهن. وترأس العزابة في بني يسقن. وكان لا يتردد على الأسواق ولا يغشى الأفراح. وقد بدأ التدريس في المسجد. وكان له نظام حياة دقيق جدا: يدرس للعامة مع الفجر ويصلي الجماعة، ثم يذهب للتدريس لتلاميذه. وكان له أيضا درسان آخران: درس للعامة بين العصرين، ودرس لكبار التلاميذ المواظبين. وقد خصص وقتا من النهار للإجابة على الأسئلة الواردة إليه. وقال بعضهم أن هذه الأجوبة لو