يعتبر الشيخ محمد بن يوسف باني النهضة العلمية في المنطقة. وكل من يحاول ذلك تعترضه عراقيل ومثبطات. فقد ظهر أمره في الوقت الذي غشي الجزائر كلها ضباب الجهل والاحتلال. ولذلك كان الشيخ اطفيش ينكر على الناس البدع التي ليست من الدين في شيء. وقد شدد عليهم في ذلك فهددوه حتى بالقتل واتهموه بالزندقة. وانتقد الشيخ أساليب التربية القديمة للأولاد. واضطر إلى الخروج من بني يسقن، فأخذ يتنقل في مدن ميزاب الأخرى، واستقر في البداية في بونورة حيث رحب به عزابتها، كما خرج معه زميله محمد بن ادريسو الذي كان مثله في الرأي والاستقلال. وبعد غيبة عن بني يسقن دامت سنوات، رجع إليها وتولى بها العزابة كما قلنا. وقد زاده ذلك شهرة في المنطقة، وكان لا ينفك أثناء ذلك عن الكتابة والتدريس. ولكنه ليس ابن بني يسقن وحدها، ولذلك أحس أن عليه واجبا نحو المدن الأخرى في ميزاب فأخذ يزورها الواحدة تلو الأخرى: بريان، القرارة، الخ ... وكان في زياراته يتصل بالعزابة ويلقي الدروس العامة على الرجال والنساء في الوعظ والإرشاد، وكان له درس خاص بالنساء.
كما زار غير مدن ميزاب في المناطق القريبة والبعيدة. زار ورقلة وجال خلال آثار سدراته. وكذلك زار بو سعادة وتوقف بزاوية الهامل وألقى بها بعض الدروس بطلب من شيخها محمد بن بلقاسم (أبي القاسم). وزار قسنطينة ولعله التقي فيها بالشيخ المجاوي وغيره من علمائها. وعرج على سطيف والبرج والجلفة، وعنابة، وقصر البخاري. وكان يلقي دروسا في هذه الأماكن. وقد أدى فريضة الحج مرتين. إحداهما سنة ١٨٨٦، أي بعد احتلال ميزاب (١٨٨٢). وقد ركب البحر من عنابة إلى تونس، وأقام في هذه المدينة أياما في ضيافة أهل ميزاب، ولعله لقى بها بعض علماء الزيتونة. وفي الحجاز التقى ببعض العلماء منهم الشيخ الزيني دحلان، وتعرف على أحوال العالم الإسلامي، وألقى دروسا في المسجد النبوي. ولا نعرف أنه زار مصر أو غيرها من عواصم المشرق غير الحجاز، وكان ذلك أيام ظهور الحركة