للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا الدين الإسلامي ولا الأوقاف ولا رجال العلم ولا اللغة العربية. أما التعليم الذي طالب به الجزائريون فهو الذي يتماشى مع تقاليدهم ويحفظ لهم تراثهم ومعالمهم. لندرس بهذا الصدد العرائض الجماعية التي تقدم بها أهل المدن منذ السبعينات، فإننا سنلاحظ أنها تطالب بالتعليم العربي واحترام الإسلام والشريعة. وقد ظهر ذلك على لسان الأفراد أيضا ابتداء من رسالة المجاوي (إرشاد المتعلمين) سنة ١٨٧٧. وكان تمسك المرابطين في زواياهم الريفية بالتعليم العربي خير دليل على ما يرغب به الجزائريون من أنواع التعليم رغم تخلفه قياسا على المناهج الحديثة. ولكن الفرنسيين سخروا بعض الجزائريين ليحثوا أخوانهم على التعلم بالفرنسية وتلقي الحضارة الفرنسية، وذلك في المقالات التي نشرها مصطفى بن السادات، ومحمود بن الشيخ علي وغيرهما في جريدة (المبشر) الرسمية خلال الستينات.

ثم إن الجزائريين لم يروا خلال الفترة المشار إليها (١٨٣٠ - ١٩٠٠) فائدة حقيقية مباشرة للتعلم بالفرنسية. ولو رأوها لتغيرت نظرتهم إليه. والدليل على ذلك هو ما حدث بعد ذلك من الإقبال على هذا التعليم والتنافس من أجله، لأن الفائدة المباشرة منه أصبحت جلية. لقد كان هدف التعليم الفرنسي الموجه للجزائريين من البداية متصفا بطابع التحدي الديني واللغوي والحضاري. كان الفرنسيون يشعرون ويعملون على أنهم ما داموا قد نجحوا في احتلال مدينة الجزائر وفرض سيطرتهم المادية على الحصون والقلاع ورفع العلم، فإن ذلك يبيح لهم انتهاك كل الحرمات والدوس على جميع المقدسات والتدخل في كل الشؤون حتى العائلية والمدرسية والدينية. ولكنهم كانوا واهمين، فالمقاومة لم تتوقف وكان الناس مؤمنين بأن النصر سيتحقق لا محالة ضد العدو، غير أن هذا النصر قد طال انتظاره، فتمسكوا بالجانب الآخر من المقاومة وهو الجانب الحضاري فلم يتنازلوا للفرنسيين عن مقاليدهم الحضارية بالسهولة التي توقعها هؤلاء. وهنا تظهر في الواقع عبقرية الشعب الجزائري وعبقرية الإسلام في المقاومة. وقد تفطن لذلك بعض المفكرين الفرنسيين أنفسهم، وهم أولئك الذين ظلوا ينبهون قومهم بأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>