من الغلط الاعتقاد بأن الجزائريين قد انهزموا، فأسلوب المقاومة قد اختلف والأشخاص قد تغيروا ولكن روح المقاومة ظلت هي هي (١):
كان التعليم في الجزائر واجبا دينيا واجتماعيا. والآيات والأحاديث التي تأمر بالتعلم وتحث عليه من أجل إثبات الإيمان والعقيدة كثيرة حتى أن المرء يخرج منها بينما إيمانه وإسلامه غير كاملين إذا لم يتعلم الحد الأدنى مما يعرفه بالله وبمخلوقاته والتزاماته الشرعية. ولسنا بصدد إثبات الأدلة على ذلك لأن مجاله في غير هذا الكتاب. غير إننا نقول إن التعليم السائد سنة ١٨٣٠ كان قائما على الدين ولخدمة الدين في المجال الواسع، باعتبار الإسلام دينا ودولة. وما دام مفهوم التعلم قد اتبع مفهوم السيادة ومفهوم الجهاد ومفهوم التقدم، فإن النتيجة كانت تخالف هذه المفاهيم جميعا، بما في ذلك المقصود الشرعي من التعلم. وإذا كان هذا المفهوم في القديم منطلقا من إدراك حقيقة الله وكنه الأشياء فقد ضعف هذا المفهوم سنة ١٨٣٠ حتى أصبح التعليم كأنه تعبد وممارسات طقوسية فقط. فحفظ القرآن كان للبركة ونيل الوظيفة أكثر منه لفهم الدين والعمل به في مجال السياسة والمجتمع والاقتصاد. وقس على ذلك العلوم المتصلة بالقرآن.
هذا عن الجانب الديني من التعليم، أما الجانب الاجتماعي منه والسائد سنة ١٨٣٠، فإن الجزائريين كغيرهم من المسلمين كانوا يعتقدون أن المتعلم خير من الجاهل، وأن الله يرفع الذين أوتوا العلم درجات على غيرهم، وأن وظيفة العالم مضمونة، وأن احترامه واجب، وأن حب العلم من الإيمان. وقد كانت بعض العائلات تورث العلم والوظائف لأبنائها. والذي يدرس الحياة الاجتماعية، حتى الجانب الفولكلوري منها، سيجد أن الجزائريين كانوا يحتفلون بالعلم منذ دخول الطفل المدرسة الابتدائية إلى تخرجه من الثانوية والدراسات العالية. لأن العلم والدين مترابطان. وصاحب العلم
(١) من أبرز من تنبه إلى هذا هو جوزيف ديبارمي J.Desparmet، وقبله تنبه إليه الدكتور فيتال Dr.Vital وإسماعيل عربان (توماس أوربان T.Urbain). وسنعرف عن عربان في فصل لاحق. انظر أيضا الحركة الوطنية، ج ١.