بالقوانين الفرنسية والأحكام الفرنسية الجارية على مواطنيهم في بلادهم، ومن ذلك كل ما يتصل بالتعليم. وكان سقوط الامبراطورية وتولى الجمهورية الثالثة سنة ١٨٧٠ فاتحة العهد الذي حل فيه الحكم المدني محل العسكري، وسيطر فيه الكولون (المستوطنون) على مقاليد الجزائر، إدارة واقتصادا. وبالقدر الذي أهملوا فيه التعليم الجزائري - كما سنرى - بالقدر الذي كرسوا فيه الجهود لتعليم إبنائهم وتوفير جميع المستويات لهم، من الابتدائي إلى العالي. وكانت البلديات (المدنية) تتنافس على بناء المدارس لأبناء الجالية الفرنسية (الكولون) وتوفر لهم المنح والقروض، بينما تعليم الأهالي ظل محل احتقار وتهاون. وذلك هو العهد الذي يشير إليه لوروى بوليو.
ففي هذا العهد (سنة ١٨٨٢) لاحظ بوليو أن عدد المدارس الابتدائية للفرنسيين بلغت ٦٩٧ مدرسة. بينما لا توجد سوى ٢١ (واحد وعشرين) مدرسة للجزائريين. أما عدد التلاميذ في الابتدائي فهو ٥٣.٦٦٦ بالنسبة للفرنسيين (والأوروبيين عموما). ولكنه لا يتجاوز ٣.١٧٢ تلميذ من الجزائريين. فإذا تذكرنا أن عدد السكان كان بنسبة واحد إلى عشرة تقريبا، عرفنا الطابع الحقيقي لموقف الإدارة الفرنسية من التعليم في الجزائر، وهو ما وصفناه بالطابع التمييزي والعنصري والذي اتخذ أسلوب الإهمال المتعمد. ويجب أن نعرف أيضا أن التعليم الابتدائي كان إجباريا لأبناء الفرنسيين ولكنه غير إجباري لأبناء الجزائريين (١). وقد وجد يوجين إيتيان E.Etienne، زعيم الكولون في البرلمان الفرنسي، تلك الفوارق ذريعة لتدخله سنة ١٨٨٤، ضد سياسة الاندماج مع الجزائريين لأن فوارق التعليم تؤدي بالضرورة إلى فوارق حضارية واجتماعية لا يقرها السيد إيتيان. فكيف يندمج سكان يتجاوز عددهم المليونين (الجزائريون) مع سكان عددهم أربعمائة ألف نسمة فقط (الفرنسيون) في الوقت الذي يقدم هؤلاء خمسين ألف تلميذ في الابتدائي
(١) فرض التعليم خلال الثمانينات على بلديات عين الحمام (فورناسيونال) فقط بالنسبة لغير الفرنسيين. عن الإحصاء المذكور انظر بوليو، مرجع سابق، ص ٢٥٨.