معالم إسلامية كانت لها أوقافها ووكلاؤها وفقراؤها، قلما وجد فيها الجزائريون مكانا لأبنائهم، بل ظلت تقريبا ثانوية خاصة بأبناء الفرنسيين. وسنرى أن هناك عددا ضئيلا يقولون عنه أنه من الأهالي، ولكن أي أهالي؟ ونحن نتحدث الآن عن أوليات هذه المؤسسة أي إلى بداية القرن الحالي. أما بعد ذلك فقد دخلها بعض الجزائريين، ولكن عددهم ظل محدودا جدا بالنسبة لعدد السكان. ومع ذلك نلاحظ أن عدد التلاميذ عموما في المستوى الثانوي كان قليلا لأن بعض الفرنسيين كانوا يوجهون أبناءهم لاستكمال الدراسة في فرنسا نفسها.
ففي سنة ١٨٨٦، أي في عهد الجمهورية الثالثة، كان بالجزائر ثماني عشرة مدرسة ثانوية ومعهدا، أبرزها ثانوية الجزائر المذكورة وثانوية قسنطينة وثانوية وهران. وكانت المؤسسات التعليمية الأخرى التي تقدم تعليما ثانويا تسمى بالكوليجات أو المعاهد البلدية. وعددها عندئذ تسعة. يضاف إليها مدرستان حرتان وأربع حلقات (سيمنارات) ذات طابع ديني - مسيحي. وكان يتردد على هذه المؤسسات الثانوية سنة ١٨٨٥ - ١٨٨٦، من الأوروبيين ٣.٣٥٢، أي بمعدل ٢٠٠ تلميذ لكل مؤسسة. ومن بين هؤلاء يوجد ٢٢٨ تلميذا من الأجانب الأوروبيين (غير المتجنسين)، أما عدد التلاميذ الجزائريين فلا يتجاوز ١١٥ من مجموع السكان الذي يقارب ثلاثة ملايين ونصفا. ولعل هذا يفسر دور المدرسة الابتدائية الفرنسية الموجهة للجزائريين. فقد كان الغرض منها ليس الثقافة والترقي إلى سلم التعليم الثانوي، ولكن مسخ الهوية وغسل المخ ثم ترك التلاميذ نهب الأقدار مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وقد تساءل الكاتب بوليو عن ذلك وشك أن يكون راجعا إلى ارتفاع الثمن في هذا التعليم، وهو شك في غير محله، لأن بعض العائلات الجزائرية على الأقل كانت قادرة على رصد منح لأبنائها لو وجدت إلى ذلك سبيلا، كما حدث بعد ذلك، ثم إن الدولة الفرنسية المحتلة كانت ترصد المنح للدراسة في الثانويات لأبناء الأوروبيين. فأين هي المنح بالنسبة للجزائريين الذين يدفعون ضرائب أعلى عدة مرات مما