للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدفعه الفرنسيون. كما شك بوليو في أن عقول الجزائريين كانت لا تستسيغ التعليم الفرنسي في هذا المستوى (١). وهو تشكيك غريب منه. وربما كان متأثرا بمدرسة داروين ونيتشه وغوبينو وغيرهم من أصحاب نظرية النشوء والارتقاء والتفوق العنصري. وكانت عندئذ في أوجها.

ولعل ملاحظات أصحاب (مجلة المغرب) سنة ١٩١٧ كانت أكثر موضوعية في هذا الصدد. فالتعليم الفرنسي من الأساس كان يهدف إلى خدمة الجالية الفرنسية وسعادتها. فإذا قدم منه شيء للجزائري فلا يخرج عن الطابع الاستغلالي كحذق بعض شؤون الزراعة لمساعدة المستوطنين، وحذق الطرز ونسج الزرابي لبيعها للسواح وتصديرها، أو تخريج بعض الجنود والقضاة والمترجمين. أما التعليم الذي يكون ويربى المواطن ويرفع المستوى العقلي ويضمن له الوظائف، فذلك كان حكرا على الفرنسيين. لاحظت (مجلة المغرب) أن الثانويات والكليات إنما أنشئت للأوروبيين فقط وقلما يدخلها غيرهم. وكان التعليم يعطي بالفرنسية ولا يعطي بالعربية في بلاد شعبها عربي، لأن هدف الإدارة الاستعمارية هو إحداث الذبذبة العقلية ومسخ الهوية (٢).

حقيقة أن السلطة الفرنسية أنشأت للأروبيين المؤسسات التعليمية في جميع المستويات، من الابتدائي إلى العالي. وإذا سمح للجزائريين بدخول الثانويات ففي أقسام خاصة بهم تسمى الأقسام (الأهلية). ومن الملاحظ أنه بالإضافة إلى الثانويات في عواصم الأقاليم الثلاثة، هناك المعاهد (الكوليجات) في كل من البليدة ومستغانم وتلمسان والمدية وسكيكدة وعنابة وسطيف وبلعباس. وهذا بعد مرور قرن على الاحتلال (أي ١٩٣٠). وفي هذه المؤسسات كلها كان عدد التلاميذ الفرنسيين حوالي ١١، ٠٠٠ من سكان عددهم أقل من نصف مليون نسمة. بينما عدد التلاميذ


(١) بوليو، مرجع سابق، ٢٥٦.
(٢) مجلة المغرب R.M. عدد ٣، ١٩١٧. انظر بشير التليلي (الكراسات التونسية). C.T عدد ٢٦، ١٩٧٨، ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>