هدمت المدارس القرآنية والزوايا كزاوية الجامع الكبير وزاوية القشاش، لا تتوانى في هدم آثار الدين واللغة في قلوب وألسنة الأطفال. ولذلك كان موقف الجزائريين الأولين بطوليا وداخلا في برنامج المقاومة. وهم لم يبقوا مكتوفي الأيدي إزاء تعليم أبنائهم، الذي هو واجب مقدس، بل تصرفوا بما في طاقتهم، فعلموهم في بيوتهم وفي المكاتب (الكتاتيب) الباقية، وأرسلوا بهم إلى زوايا المرابطين في رؤوس الجبال والمناطق النائية، وهاجروا بهم إلى المغرب وتونس وغيرهما، وطالبوا السلطات الفرنسية أن تعلمهم بلغتهم تعاليم دينهم، ثم أصبحوا يطلبون الرخص بفتح المدارس الابتدائية لأبنائهم وتحت إدارتهم، فكانت مدرسة الشيخ محمد أطفيش في ميزاب ومدرسة عباس بن حمانة في تبسة، ثم مدرسة السلام والشبيبة بالعاصمة، وأخيرا جاءت مدرسة التربية والتعليم في قسنطينة، ومدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مختلف أنحاء القطر.
وكانت هذه المدارس تنافس المدرسة الفرنسية والمزدوجة، فكان الطفل يجمع بين التعليم الوطني والتعليم الفرنسي بطريقة تثير الدهشة والإعجاب إذ كان يختلس له معلمو المدارس العربية الأوقات التي لا يكون فيها في المدرسة الفرنسية، فيعلمونه فيها. بالإضافة إلى أن هناك من تفرغ منهم للتعليم العربي فقط، كما أن الزوايا من جهتها كانت تقوم بمهمة كبيرة في مسيرة المقاومة. وهناك من رحل للتعلم خارج الجزائر.
لقد مرت المدارس المزدوجة بعدة مراحل يمكننا تلخيصها فيما يلي: المرحلة الأولى من ١٨٣٠ إلى ١٨٥٠ والمرحلة الثانية من هذا التاريخ إلى ١٨٧٠، والمرحلة الثالثة من هذا التاريخ إلى إصلاحات ١٨٩٢، والمرحلة الرابعة منذ هذا التاريخ.
في المرحلة الأولى كان الإهمال المطلق لتعليم الجزائريين هو الظاهرة العامة رغم التظاهر بالقول إن الجزائريين هم الذين لم يهتموا بالمدرسة الفرنسية ولم يأتوا إليها. والرأي الصحيح هو أن هناك مقاومة من جانب