الجزائريين وحربا عوانا من جانب الفرنسيين (وقد تقدم ذلك في تقريرهم الرسمي). والحرب ليست في الميدان العسكري والاقتصادي فقط، بل كانت في الميدان الحضاري (الديني واللغوي) كما عرفنا في فصل المعالم الإسلامية. فقد صودرت البنايات الدينية التي كانت للعبادة والتعليم، وضمت أوقافها، واستخدمت أموالها في الحرب بدل التعليم، بل في فرض الجهل بالقوة. وبينما أسس الفرنسيون مدارس خاصة ثم عمومية لأبنائهم، كما عرفنا، لم يفتحوا مدرسة للجزائريين إلا سنة ١٨٣٦. وهي مدرسة لم يبذلوا فيها أي جهد لأن المبنى كان قائما من قبل، وقد أطلقوا عليها اسم المدرسة الحضرية - الفرنسية، ولهذا الاسم ينسبونها إلى الحضر، سكان المدينة أو أهل المدر، كما يقول ابن خلدون، لأنها موجهة في نظرهم إلى أبناء فئة التجار الباقين والموظفين وأهل الحرف والصنائع والمتعلمين. والمعروف أن مدينة الجزائر عندئذ (١٨٣٦) قد جلا عنها أهلها من علماء وأغنياء وسياسيين بالنفي والتهجير أو بالخوف من البقاء تحت حكم الأجنبي وانضموا للمقاومة تحت لواء الأمير عبد القادر، ففي هذه الفترة وقع نفي ابن العنابي وحمدان خوجة، ووقع التحاق علماء أمثال قدور بن رويلة وعلي بن الحفاف بالأمير عبد القادر، وسجن إبراهيم بن مصطفى باشا وغيره. فمن هم الحضر الذين أسس الفرنسيون المدرسة لأبنائهم؟
وقبل أن ندخل في تفاصيل هذه المرحلة، نقول إنه ابتداء من حوالي ١٨٤٦ أنشأ الفرنسيون لجنة من خبرائهم لدراسة الوضع الديني واللغوي في الجزائر، ومصير التعليم الذي تشرف عليه نظريا وزارة الحربية ويطبق الحاكم العام تعليماتها فيه. وتقول التقارير إن الفرنسيين استمروا أربع سنوات في دراسة الوضع التعليمي في الجزائر، وكتبوا عن الزوايا وعن الكتاتيب القرآنية وعن دروس المساجد وعلاقة ذلك بالأوقاف، ومعاناة هذا التعليم نتيجة الاستيلاء على الأوقاف وأموالها. وكيف كان التعليم في كل مدينة وفي كل منطقة ريفية سواء احتلت أو ما زالت، وكذلك دراسة وضع حلقات اللغة العربية التي مر ذكرها، وحال كوليج الجزائر الذي تحول إلى ثانوية (وهو غير