للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقعت منذ عهد الموحدين والاتجاه نحو القناعة العلمية والرضى بالقليل من الفقه والمعرفة والتغاضي عن العلوم العقلية والعملية وتفضيل علوم الدين والتصوف والفروع الفقهية على علوم الطب والجبر والهندسة والملاحة والقوانين التجارية، بل إن كثيرا من هذه العلوم قد تركت للأوروبيين ونسيت آثار وجهود العرب المسلمين فيها. واستولى اليهود على مراكز التجارة والنفوذ الاقتصادي وحتى السياسي في البلاد حتى كانوا، كما قال المغيلي، يؤثرون على ذوي السلطان فيعينون ويعزلون. وهكذا وقع الفصل بين الدين والدولة. فأصبح العلماء في خدمة الحكام وانحدر المجتمع إلى الضعف والتدهور. فالعلماء قد انحدروا إلى السطحية العلمية والنفاق الأخلاقي والدروشة الصوفية. والحكام من جهتهم غرقوا في الاستبداد والفساد واللهو واللعب بمصير الشعب ومصير الدين أيضا. وكانت نتيجة ذلك كله معروفة للجميع. فقد سقطت الأندلس وضاعت، وسقطت أجزاء كثيرة من المغرب العربي وكادت تضيع، واستولى العثمانيون على المنطقة، باستثناء المغرب الأقصى الذي ظل هو الآخر يعاني من التنافس الداخلي والاعتداء الخارجي.

وإذا كان التحول السياسي الذي طرأ على المنطقة في القرن التاسع لا يعنينا هنا عناية كبيرة فإن التحول الثقافي والعقائدي فيها يجعلنا نتتبعه باهتمام كبير. وهذا ما سنحاوله في الفصول التالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>