أموالها ثم تخيرهم بين الدخول إلى مدرستها أو الجهل المطبق؟ وقد علق جان ميرانت عن تجربة التعليم المشترك فقال إن فرنسا أرادت به الجزائريين قبل كل شيء لأنه (الوسيلة أكثر تأكدا في الانتصار عليهم لمصلحة فرنسا والحضارة). وقال ميرانت أيضا إن لعب الأطفال العرب والفرنسيين معا منذ السن المبكرة وممارسة الدراسة معهم سيجعل روح التعصب والكراهية والأحكام المسبقة الدينية تختفي عند الأطفال الحضر. لقد كانت الحكومة الفرنسية تعمل على ربط الجيل الصاعد (الجزائري والفرنسي) بلغة واحدة مشتركة، وتقريب هذا الجيل إلى الفرنسيين بالاتفاق على نفس الأفكار ونفس المصالح. ولكن الحضر غادروا المقاعد الدراسية) (١). وما دام الهدف هكذا واضحا فلماذا يلام الجزائريون على ترك هذه المقاعد التي خطط لها أن تكون وسيلة لقطع الصلة بين الأطفال المسلمين ودينهم وماضيهم ولغتهم وربطهم بالأفكار والمصالح الفرنسية؟ فإذا كان الفرنسيون أذكياء وقوميين جدا فقد ظهر لهم أن الجزائريين كانوا لا يقلون ذكاء وقومية واعتزازا بوطنهم وهويتهم.
بقيت مدرسة الجزائر الحضرية - الفرنسية (الخاصة) إذن هي الوحيدة مدة طويلة. وحين طلب مفتش التعليم سنة ١٨٣٩ فتح مدرسة حضرية مشابهة في عنابة ووهران لوجود أطفال في سن المدرسة ضائعين، كان الجواب هو أن المحلات غير متوفرة. وهو ادعاء باطل إذ استولى الفرنسيون في عنابة ووهران على أملاك المسلمين ومساجدهم ومدارسهم، وكان من الممكن فتح مدرسة في أحد هذه الأماكن، لكن الحقيقة كشف عنها وزير
(١) جان ميرانت (كراسات الاحتفال المئوي)، ٧٧، وقد نقل ذلك عن دي بوسيه، الجزء الثاني، ص ٢٠٤. وقد جاء في دي بوسيه أن التجربة في وهران وعنابة كانت غير مشجعة أيضا. وعلق ميرانت على ذلك بقوله إنه من بين ٦٦ تلميذا في وهران سنة ١٨٣٣ هناك ٥ فقط من الحضر، وفي عنابة من بين ٣٢ هناك ١٢ تلميذا من الحضر سنة ١٨٣٤. والحديث هنا بالطبع على المدارس المشتركة (الودادية) وليس عن الحضرية - الفرنسية أو الخاصة.