كل الوثائق تقريبا تشير إلى أن التعليم الأهلي قد أخذ دورة جديدة منذ ١٨٩٢. ويأتي ذلك نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية. من العوامل الأولى مراسيم وإجراءات ١٨٨٢، ١٨٨٣ التي لم تنفذ بالنسبة للجزائريين. ومنها التحقيق الذي أجرته لجنة مجلس الشيوخ سنة ١٨٩٢، وهو التحقيق الذي جرى بالنسبة للوضع في الجزائر كلها وليس حول التعليم فقط، مثل سلطة الحاكم العام، وقضية الأرض، والقضاء الإسلامي، والتمثيل البرلماني، والضرائب وغير ذلك. أما بالنسبة للتعليم الأهلي فقد انتهى التحقيق إلى ضرورة إنعاشه وتوجيهه وجهة عملية (مهنية). وكان على رأس الذين اهتموا بهذا الجانب كومبس، أحد أعضاء لجنة التحقيق. ومن العوامل الداخلية أيضا زيارات النائب البان روزي المتكررة للجزائر وإثارته في البرلمان مشكل التعليم فيها، وكشف بعض النوايا السيئة أو غير الواقعية التي كان يختبئ وراءها دعاة سياسة التجهيل من نواب الكولون.
أما العوامل الخارجية التي أثرت في دورة التعليم الجديدة فمنها اتجاه الدول الاستعمارية إلى الاهتمام بقضية التعليم في مستعمراتها تبعا لظهور تيارات فكرية ودينية في أوروبا تدعو إلى حقوق الإنسان، ولو كان إنسانا مستعمرا، وكذلك ضغط الحركة الماركسية وبعض الضغوط من رجال الدين المسيحي. وهناك عامل آخر مهم بالنسبة للجزائر وهو ظهور النهضة العربية الإسلامية على أساس التعليم ومحاربة الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي. وكانت بوادر هذه النهضة قد ظهرت في مصر والهند وسورية والدولة العثمانية على العموم. وكان من مصلحة الغرب، ومنه فرنسا، عدم تعريض نفسه للنقد المكشوف بكونه أخر المسلمين وأعاقهم عن التقدم بتبنيه سياسة التجهيل في المستعمرات.
في ضوء كل ذلك تحركت الجهات الفرنسية في الجزائر في الاتجاه الجديد. وكان الحاكم العام عندئذ هو جول كامبون (١٨٩١ - ١٨٩٧).