وأن يفسحوا المجال أمامهم، وأن يختلطوا بهم ويخالطوهم. ولكنهم في الواقع أساؤوا التصرف، كمعظم الحكام عندئذ فحكموا كفئة متميزة واحتكروا الحكم في أيديهم طيلة الفترة الثانية واستبدوا بالسلطة واستذلوا السكان واستعلوا عليهم وعاملوهم معاملة المنتصر للمهزوم.
إن العثمانيين قد دخلوا الجزائر أساسا بطلب من أهلها وربطوا مصيرهم في الغالب بمصير أهل البلاد وتحالفوا معهم، كما سنرى، تحالفا شديدا سياسيا وعسكريا. فامتلأت القلاع والثكنات والرباطات والسفن بالجنود الجزائريين الذين خاضوا حروب الجهاد في البر والبحر، جنبا إلى جنب مع العثمانيين، أحيانا قوادا وأحيانا مقودين، كما تحالفوا معهم في الداخل لتوطيد الأمن والاستقرار وتقدم التجارة والسفر (١).
وقد ظل الوجود العسكري هو الظاهرة المميزة للحكم العثماني في الجزائر بل هو الظاهرة المميزة أيضا لهذا الحكم في جميع أنحاء الدولة العثمانية. فقد كان الجهاد البحري (وهو الذي يطلق عليه الأوروبيون اسم القرصنة والذي كان في الأول ضد إسبانيا فقط لموقفها العدائي من مسلمي الأندلس والمغرب العربي، ثم أصبح عاما ضد جميع الدول الأوروبية التي لا تدخل في اتفاق سلمي مع دولة الجزائر) هو الباعث على وجودهم على شواطئ شمال إفريقية. وقد تطور هذا الجهاد فكان أقوى ما يكون في القرن الحادي عشر ثم ضعف تدريجيا لأسباب أهمها ضعف الدولة العثمانية نفسها وتوقف موجة التقدم العثماني في أوروبا وقوة الدول الأوروبية، وخصوصا بريطانيا وفرنسا، ثم دخول أمريكا إلى حوض البحر الأبيض آخر القرن الثاني عشر. وكانت قوة الحكام المحليين تقوى أو تضعف في نظر السكان بقدر ما يحققونه من انتصارات في البحر الأبيض ضد (دار الحرب) أو أوروبا
(١) شهد هايدو الأسباني والمتعصب دينيا أن الجزائريين والأندلسيين كانوا يحاربون جنبا إلى جنب مع العثمانيين ضد العدو الخارجي، كما حاربوا إلى جانبهم ضد المتمردين في الداخل. انظر أيضا (عنوان الأخبار) للمريني.