للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية) (١). وإذن فالفرنسيون لا يدفعون المنح ولا المرتبات من ميزانية الحكومة وإنما يدفعها الجزائريون، رغم أن أولادهم لا يدرسون، كما عرفنا، وهم في الواقع يدفعون مرتين مرة في شكل أموال الأوقاف المغتصبة ومرة في شكل الغرامة العربية، بالإضافة إلى الضرائب العادية.

ومع ذلك فإنه يبدو أن تجربة إنشاء المعهدين قد جلبت الأنظار إليها حتى من غير الفرنسيين. ولعل هؤلاء قد أكثروا من الضجة حول نجاح التجربة. ففي ١٨٦٩ جاء أحد الخبراء الروس إلى الجزائر مبعوثا من وزيره للتعليم ليشهد التجربة الفرنسية في الجزائر بنفسه وليحاول الوزير الروسي تطبيقها على مسلمي بلاد القوقاز والجركس، إذا اقتنع بجدواها. فالتجربة الفرنسية قامت على فرض الفرنسية على الجزائريين مباشرة وإلغاء العربية، وكان الروس يريدون أن يفعلوا ذلك مع لغتهم ولغة مسلمي القوقاز. والغريب أن الجريدة الرسمية (المبشر) قد تبجحت (بالطريقة الجديدة) في ميدان التربية والتعليم، كما تقول، وهي تقوم على (تحريم) استعمال العربية في تدريس اللغتين الفرنسية والعربية للتلاميذ المسلمين، لإدراك معنى اللغة الفرنسية. وقالت إنه: (لا يخفى على أحد أن الصور والأشكال الحسية هي الكتاب الأنفع في تعليم الصبيان اللغة الأجنبية، مهما كانت اللغة) وأخبرت الجريدة أن المسؤول الروسي قد تأمل في الطريقة الجديدة وكيف كان الفرنسيون يعلمون لغتهم مباشرة (لأبناء العرب دون ارتكاب اللغة العربية للتوصل إلى المعنى) (٢).

وعشية افتتاح معهد قسنطينة نشرت المبشر مقالة طويلة في عددين أو أكثر، لأحد المتأدبين من أهالي قسنطينة عنوانها (النصيحة الدرية في تأديب الذرية)، وصاحب المقالة هو مصطفى بن السادات. ويظهر أنه كتبها بإيعاز من سلطات المبشر والإدارة ترغيبا لأهل المنطقة في إرسال أولادهم إلى


(١) انظر أرشيف إيكس (فرنسا) ٢١ I ١، وكذلك المبشر، ٣ أكتوبر ١٨٦٧.
(٢) المبشر، ١١ فبراير ١٨٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>