للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم عموما كان موجها لتخريج جزائريين (عاملين) في المصالح الفرنسية كالجندية والزراعة والمصانع. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل. فقد كرر المسؤولون الفرنسيون أن غرضهم ليس تثقيف الجزائري وجعله مكتسبا للمعارف النظرية والعملية، وإنما غرضهم إذا فتحوا له قسما خاصا في مدرسة فرنسية أو أنشأوا له ورشة هو أن يجعلوا منه خادما صالحا أو فلاحا متعلما قليلا أو معلما في مدرسة ابتدائية يظل طول حياته (معاونا) أو ممرنا لأنه ليس مواطنا وإنما هو رعية.

أما الملاحظة الثانية فهي نشر ذلك النصيب القليل من التعليم باللغة الفرنسية البسيطة. ونقول (البسيطة) لأن المسؤولين الفرنسيين طالما كرروا أن غرضهم ليس جعل الجزائري يتذوق جمال اللغة أو يتمتع بأدبها ومعارفها وإنما غرضهم هو أن يجبروه على النطق بها والتعبير عن شؤون حياته والاتصال عن طريقها بالمستعمرين والإدارة الفرنسية. وبتعبير صريح فالغرض من تعليمها له هو أن تحل هي على لسانه وذهنه محل اللغة العربية فيتشوش ذهنه ويضطرب لسانه، ويبتعد عن تراثه، سيما وأن العربية التي تعطى له في المدرسة مع الفرنسية هي الدارجة، ومن ثمة لا يكون له اتصال كتابي مع لغة القرآن وفهم تراكيبها ومعانيها.

والملاحظة الثالثة هي التمييز بين الجزائريين والفرنسيين تمييزا عنصريا واضحا. فالتلاميذ الجزائريون لا يجلسون إلى جانب التلاميذ الفرنسيين ولا يتلقون نفس التعليم ولا يخضعون لنفس شروط الدخول والمسابقات ولا يحصلون على نفس الشهادات. وبالطبع لا يتولون نفس الوظائف. إن الجزائري في نظر الفرنسيين من سلالة منحطة، من مظاهرها التخلف العقلي والكسل والقذارة. ولا يليق بالفرنسي (الممتاز) والمتمدن وصاحب المواهب أن يجلس أو يخالط أو يتعلم مع إنسان أدنى منه. وقد شاعت هذه الفكرة خلال القرن الماضي وأوائل هذا القرن، ولم تأخذ في الاختفاء إلا بين الحربين، وهي في الواقع لم تختف. ومن أسباب التخفيف منها ظهور النظرية العرقية النازية فهي التي جعلت الفرنسيين يتظاهرون بأنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>