للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائر وإسطانبول. فقد كانت علاقة وطيدة سياسيا حين كان الباشوات يأتون من هناك ثم أخذت تضعف أثناء الحكم الثنائي حين كان ممثل السلطان مجرد موظف سام يتقاضى أجرة ويشاهد مجريات الأمور، ولكن لا يستطيع فعل شيء. وكادت العلاقة تنقطع (بل انقطعت في بعض الأحيان) حين أصبح السلطان مقتنعا بإصدار (فرمانه) إلى من يختاره الجنود العثمانيون في الجزائر. وقد ظل محافظا على الحد الأدنى من استمرار العلاقات للمصلحة المتبادلة. فاسطانبول كانت تعرف المسافة التي تفصلها عن الجزائر ومدى ضعف أسطولها فلم تحاول فرض سلطانها هناك بالقوة، بل كانت تكتفي بالضغط ومحاولة تأكيد شرعيتها الإسلامية عن طريق الباشوات والقاضي الحنفي وولاء (عبيد السلطان) والعلماء. وعندما تعجز حتى عن ذلك كانت تكتفي بأشياء رمزية كإصدار الفرمان للاعتراف بالأمر الواقع الذي يواجهها به وجق الجزائر، وإرسال الهدايا العسكرية البحرية إلى ولاة الجزائر والاستنجاد بهم عسكريا إذا دعت الحاجة. أما الجزائر فقد كانت بدورها تحاول تأكيد ذاتيتها ووضعها الخاص. كما أن طبيعة السكان الاستقلالية والثورات الداخلية التي طبعت الحكم العثماني في الجزائر ووجود المغرب كمنافس إسلامي على الحدود ثم الخطر الإسباني والبرتغالي في غرب البحر الأبيض كل هذه العوامل جعلت الجزائر في وضع خاص داخل الدولة العثمانية. فهي من جهة مسقلة أو تحاول أن تكون مستقلة عن إسطانبول، وهي من جهة أخرى تحاول أن تبقى على الحد الأدنى من الصلات الإسلامية، ولو كانت رمزية، مع الخلافة (١).


(١) الواقع أن رفض إرادة السلطان من وجق الجزائر قد بدأ مبكرا، أي منذ القرن العاشر. ولم يتمكن عدد من الباشوات المبعوثين من إسطانبول إكمال مددهم (ثلاث سنوات) بل كانوا يجبرون على العودة. ونفس الشيء يقال عن القاضي الحنفي. ولكن الباشا إذا رجع إلى إسطانبول يبقى خليفته إلى أن يأتي الباشا الجديد. انظر هايدو (ملوك الجزائر). ولنلاحظ أن حكام الجزائر لم يجعلوا الحكم وراثيا كما فعل مثلا حكام تونس. ولو نجح أحدهم في ذلك لتغير طابع الحكم ولأصبح شيئا فشيئا (وطنيا).

<<  <  ج: ص:  >  >>