منذ السنوات الأولى، ففرقوا شملهم كما فعلوا مع ابن العنابي وحمدان خوجة (العاصمة) أو أسكتوهم بالوظائف كما فعلوا مع علي بن عيسى وابن الحملاوي (قسنطينة). أو نفوهم إلى خارج البلاد كما فعلوا مع مصطفى بومزراق والأمير، أو قتلوهم في الميدان مثل محمد بن علال وبوزيان الزعاطشي والشريف بوبغلة، أو غيبوهم في السجون أمثال إبراهيم بن مصطفى باشا والشريف بومعزة وشريف ورقلة، والذين قبلوا التوظف من العائلات الكبيرة زرعوا بينهم العداوة والبغضاء حتى لا يتحدوا ضدهم، وراقبوهم عن كثب حتى لا يتصلوا، وعآقبوا المخالف منهم العقاب الصارم حتى يتعظ به الآخرون، فلم يبق للمواطن أمل في زعيم ولا رجاء في خلاص، غير أن غشاوة اليأس كان يرفعها من وقت لآخر من يسميهم الفرنسيون (الأشراف المزيفين). أولئك الأفراد المجهولون عادة والذين يتخذون صفة (المهدي) أو رجل الساعة، فهؤلاء الأشراف والمهديون هم الذين كانوا يظهرون ليردوا الفار من الزحف، ويرفعوا شعلة الحماس والجهاد، ويعطوا للعامة روح الأمل، كان على الفرنسيين أن يتصدوا لهذه الشخصيات الصاعقة التي تضرب وتختفي، كانت شخصيات شبحية تثير الرعب في العدو بعد أن يظن أنه قضى على آخر المقاومة وخلد إلى الراحة، انتهى إذن دور السياسيين والمحاربين، وانتهى دور الطرق الصوفية المكافحة، ودور المرابطين، وبقي فارسان، أحدهما هؤلاء الأشراف المجهولون، وثانيهما هؤلاء الشيوخ الرابضون في الزوايا يحملون البركة وأسرار الدعوة إلى الجهاد، رغم أنهم في ظاهر الأمر كانوا مستسلمين.
بعد الأمير عبد القادر ظهرت شخصيات عديدة مجهولة تقول إنها شريفة الأصل وأخذت تقود انتفاضات جماهيرية خطيرة على العدو، كم من (شريف) عرفته الجزائر خلال القرن الماضي وما يزال تاريخه مجهولا إلى الآن؟ من هو بومعزة؟ من هو بوبغلة؟ من هو بوزيان؟ من هي لاله فاطمة؟ من هو ذلك المداح في كل سوق؟ من هو لابس القشبية؟ ومن هو بوبرمة؟ ومن هو بوعود؟ ومن هو بوسيف؟ ومن هو محمد بن عبد الله؟ فإذا استطعنا