أن نكشف حياة هؤلاء وأمثالهم فإننا نكون قد عرفنا الكثير من تاريخ الجزائر المجهول.
إنهم جميعا انتفضوا وفشلوا، لقد كانوا روح الشعب المقاومة التي لا تموت، يظن الفرنسيون أنها انتهت ثم تنتفض ثانية وعاشرة، فإذا هم يسفهون بعضهم البعض، هذا يقول إن المقاومة انتهت ولن تقوم لها قائمة، والآخر يقول إن (روح التعصب) لم تمت أبدا، إننا نعيش على فوهة بركان، والرأي الأخير هو رأى (الكولون) الذين كانوا يحقدون على الجزائريين بقدر ما يحقد الجزائريون عليهم، لأنهم رمز الاستعمار الذي أخذ الأرض واغتصب أموال الأوقاف الدينية، كان الكولون، رغم تطرفهم، هم الذين يدركون حقيقة (الأهالي) لأنهم على اتصال دائم بهم، أما السياسيون الفرنسيون وبعض الضباط والكتاب فينظرون إلى (الأهالي) من البرج العاجي، وكانوا مهتمين بالرسالة الحضارية لفرنسا أكثر مما كانوا مهتمين بالحياة اليومية، وفي نظري أن جوزيف ديبارمي المستشرق والباحث الأنثروبولوجي، كان يفهم روح المواطن الجزائري أكثر مما كان يفهمها أي حاكم رغم أن هذا هو الذي كان يمثل السلطة الفرنسية، فقد درس ديبارمي انتفاضات المواطنين على يد الأشراف، ودرس أشعار المداحين، وتعمق في فهم الألغاز والرموز التي يستعملونها كناية أو تقية (١). استمرارا لعقيدة المقاومة، ولو بالسكوت.
إذن، فلنستمع إلى رأي الكتاب الفرنسيين في حركة المقاومة على يد الأشراف بعد الأمير عبد القادر، فهم يقولون عنهم إنهم كانوا يخرجون الأعلام من زوايا المرابطين، ويرفعون الهلال على الصليب، فوق كوخ تهزه ريح الجهاد، هناك على قمة جرجرة، يلعلع صوت للاله فاطمة وهي بالحائك الأحمر، واقفة على ضفة الوادي، ولكن فرنسا (المتحضرة) كانت تتقدم دائما، رغم المقاومة الدامية واليائسة، لقد أصدر الجنرال ميسيا Maissiat أمره لجنوده: اهجموا! فلم يمنع صوت فاطمة الصفوف المقاومة من
(١) سندرس آراءه في مكان آخر من هذا الكتاب انظر فصل اللغة والنثر،